نقاش حر مع علياء محمد الملا، أمين متحف الشارقة للفنون |
في قلب مدينة الشارقة النابضة بالحياة، حيث يحتفل التراث والفن بجماليات الثقافة العربية والإماراتية، يتألق متحف الشارقة للفنون كواحة ثقافية تجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم. إنه ليس مجرد فضاء لعرض الأعمال الفنية، بل هو نقطة التقاء حيوية تحتفي بإبداع الفنانين وتوثق تاريخ الفن الإماراتي والعربي. يقود هذا المعلم الثقافي بتميز وحب الأستاذة علياء محمد الملا، أمين المتحف. وقد أجرينا حوارًا خاصًا معها في "نقاش حر" مع "نور الإمارات"، حيث تطرقنا إلى الدور المحوري الذي يلعبه المتحف في صون التراث الثقافي وتعزيز الفنون ودعم الفنانين المحليين والدوليين.
نور الإمارات: بدايةً، أستاذة علياء، نود أن نتعرف على تاريخ متحف الشارقة للفنون. كيف كانت بداية هذا الصرح الثقافي؟
علياء محمد الملا: بالطبع. تأسس متحف الشارقة للفنون في 9 أبريل 1997، كجزء من رؤية شاملة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي يؤمن بأن الثقافة جزء لا يتجزأ من حياة المجتمع. فقد كان الهدف من تأسيس المتحف هو دعم الفنانين الإماراتيين والعرب، وإنشاء منصة تتيح لهم عرض أعمالهم وإيصال رسائلهم الثقافية والفنية. وتحديدًا، يسعى المتحف منذ نشأته ليكون شاهداً على التطور الفني في الإمارات والمنطقة العربية، وليوثق قصص التراث بأسلوب إبداعي ومعاصر.
نور الإمارات: حديث رائع! وما هي أهم المعروضات التي يمكن للزوار مشاهدتها في المتحف؟
علياء محمد الملا: يحتوي المتحف على مجموعة زاخرة من الأعمال الفنية التي تمثل مزيجاً من الفن الإماراتي التقليدي والفن العربي الحديث والمعاصر. ومن أبرز المعروضات، نجد لوحات الفنان الإماراتي عبد القادر الريس، التي تعكس مزيجاً جميلاً بين الحداثة والتراث الإماراتي، وأعمال الفنان العراقي فائق حسن، الذي يعتبر من رواد الفن العراقي الحديث، وأيضاً لوحات الرسام السوري لؤي كيالي، التي تلامس قضايا الإنسان ومشاعره المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، هناك أعمال للفنانة اللبنانية سلوى روضة شقير، التي تُعتبر من رواد التجريد في الفن العربي. هذه الأعمال، وغيرها الكثير، تشكل بانوراما فنية غنية تجسد التراث والثقافة المحلية والعربية.
نور الإمارات: بلا شك، تبدو تجربة رائعة للزوار. وبالنسبة لموقع المتحف، هل يلعب دورًا في جذب الزوار؟
علياء محمد الملا: نعم، بالتأكيد. يقع متحف الشارقة للفنون في منطقة الشويهين التاريخية، بجوار العديد من المؤسسات الثقافية الأخرى مثل جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، ما يخلق جوًا ثقافيًا نابضًا يضيف لتجربة الزوار. هذا الموقع يسهل على الزوار الاستمتاع بالفعاليات والمعارض المقامة في المنطقة، كما أنه يعزز التفاعل الثقافي بين الزوار والفنانين، ويتيح لهم فرصة استكشاف تاريخ المنطقة واستيعاب روحها الفنية والثقافية.
نور الإمارات: جميل! وبما أن المتحف يستضيف العديد من الفعاليات، هل بإمكانك إطلاعنا على بعض الأنشطة التي ينظمها المتحف بشكل دوري؟
علياء محمد الملا: بكل سرور. ينظم المتحف على مدار العام العديد من المعارض والفعاليات الفنية المؤقتة، مثل سلسلة معارض "علامات فارقة" التي تسلط الضوء على مسيرات فنانين عرب بارزين. كما أننا نتعاون مع جهات فنية من داخل وخارج الإمارات لتنظيم معارض وفعاليات تفاعلية، تستقطب فنانين من شتى أنحاء العالم. بالإضافة إلى المعارض، ننظم ورش عمل وجولات تعليمية ومحاضرات تهدف إلى رفع مستوى الوعي الفني لدى الجمهور، ما يعزز من تجربة الزائر ويجعلها غنية وممتعة.
نور الإمارات: يبدو أن المتحف لا يقتصر فقط على عرض الأعمال الفنية. كيف يتم دعم الفنانين المحليين والدوليين؟
علياء محمد الملا: هذا صحيح. المتحف يقدم دعمًا كبيرًا للفنانين المحليين والعالميين عبر تنظيم معارض فردية وجماعية توفر لهم فرصة التفاعل مع جمهور واسع. كما يقدم برامج إقامة فنية تُتيح للفنانين العمل على مشاريع جديدة داخل بيئات فنية متنوعة، ما يسهم في إثراء تجاربهم وتعزيز مكانة الإمارات على الساحة الفنية الدولية.
نور الإمارات: وهل هناك برامج تعليمية أو ورش عمل تهدف إلى تعزيز مهارات الجمهور؟
علياء محمد الملا: نعم، نحن نقدم مجموعة متنوعة من البرامج التعليمية التي تستهدف جميع الفئات العمرية. تشمل هذه البرامج ورش عمل في الرسم، التصوير، والنحت، تهدف إلى تنمية القدرات الفنية للمشاركين. إلى جانب ذلك، نقدم جولات تعليمية بإشراف مرشدين مختصين، وكذلك محاضرات وندوات تتيح للجمهور التعرف على تاريخ الفنون والثقافة. نسعى دائمًا لتوفير بيئة تعليمية تشجع على التفاعل وتبادل الخبرات بين الزوار والفنانين.
نور الإمارات: طريقة رائعة لتشجيع الجمهور على التفاعل. وكيف يمكن للزوار التفاعل مع المعروضات داخل المتحف؟
علياء محمد الملا: نسعى دائمًا لجعل زيارة المتحف تجربة تفاعلية. نوفر للزوار برامج تشمل جولات إرشادية وورش عمل تطبيقية تمكنهم من التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم من خلال الفن. كما نشجعهم على استكشاف المعروضات بمفردهم وتوثيق تجاربهم الشخصية، لأننا نؤمن أن الفن وسيلة للتواصل والتعبير.
نور الإمارات: من المؤكد أن هناك تحديات تواجه المتحف، خاصة في حفظ الأعمال الفنية المعاصرة. كيف تتعاملون مع هذه التحديات؟
علياء محمد الملا: بالفعل، الحفاظ على الفنون المعاصرة يتطلب عناية خاصة، خاصةً أن بعض المواد المستخدمة في الأعمال المعاصرة تحتاج إلى صيانة دقيقة. نعمل باستمرار على تحسين تقنيات التخزين والصيانة لضمان الحفاظ على الأعمال الفنية بأفضل حالة، مدعومين بالدعم الكبير من هيئة الشارقة للمتاحف وحكومة الشارقة، التي تولي أهمية بالغة للحفاظ على الفنون والثقافة.
نور الإمارات: وهل يتعاون المتحف مع مؤسسات ثقافية أخرى لتحسين تجربة الزوار؟
علياء محمد الملا: نعم، نتعاون مع مؤسسات ثقافية محلية وعالمية، أبرزها مؤسسة الشارقة للفنون التي تشاركنا في تنظيم بينالي الشارقة. كما نعمل على تبادل المعارض والورش مع متاحف عالمية لتوسيع أفق الجمهور الإماراتي وتعريفهم بالفن العالمي، مما يعزز من قيمة المتحف ويمنحه طابعاً عالمياً.
نور الإمارات: رائع! وبالنسبة للزوار الجدد، ما هي النصائح التي تقدمونها لهم للاستمتاع بأقصى قدر من تجربتهم في المتحف؟
علياء محمد الملا: أنصح الزوار بالانضمام إلى الجولات الإرشادية والورش المتاحة. عليهم أيضًا أخذ وقت كافٍ لاستكشاف المتحف بشكل كامل، فكل قاعة هنا تقدم تجربة فنية وثقافية مميزة. الاستمتاع بتفاصيل المكان، واكتشاف التنوع في الأعمال الفنية، سيضفي على زيارتهم بُعدًا مختلفًا وممتعًا.
نور الإمارات: في الوقت الحالي، ما هي رسالتك للمجتمع حول أهمية الفن وتأثيره؟
علياء محمد الملا: نؤمن في المتحف بأن الفن هو لغة عالمية تعزز الوعي الاجتماعي والثقافي. فالأعمال الفنية ليست مجرد صور، بل هي نافذة تعكس قضايا الهوية والتراث والتنوع الثقافي. من خلال الفن، نسعى إلى فتح أبواب الحوار مع الجمهور حول قضايا هامة وتوفير مساحة للتعبير الحر. الفن جزء لا يتجزأ من حياتنا، ونأمل أن يلهم الزوار للتفاعل مع المجتمع من حولهم بروح منفتحة ومتفهمة.
نور الإمارات: أستاذة علياء، تحدثنا عن التأثير الذي يسعى المتحف لتحقيقه في المجتمع المحلي. كيف يمكن أن يغير الفن نظرة الناس لحياتهم اليومية؟
علياء محمد الملا: يسعى المتحف إلى إلهام الجمهور وتقديم تجارب فنية تساعدهم على فهم أعمق للفن ودوره في حياتهم. نؤمن أن الفن يعزز الوعي الثقافي ويقوي الروابط المجتمعية، ويتيح للجمهور التفكير في قضايا الحياة اليومية من خلال زوايا جديدة، مثل الهوية، والتراث، والتنوع الثقافي. وبهذا، يلعب المتحف دورًا أساسيًا في إلهام الزوار وتعزيز تواصلهم مع تراثهم الثقافي.
نور الإمارات: من الواضح أن المتحف يلعب دوراً محورياً في تعزيز الثقافة، ولكن كيف يتم اختيار الأعمال الفنية التي تُعرض؟
علياء محمد الملا: عملية اختيار الأعمال تخضع لمعايير صارمة لضمان تقديم أعمال فنية عالية الجودة، سواء من حيث الشكل أو المضمون. نتبع آلية مدروسة من خلال لجنة مختصة تختار الأعمال بناءً على قدرتها على التفاعل مع الجمهور وإبراز قضايا تهم المجتمع. نسعى دائمًا لعرض أعمال فنية تتنوع في الأساليب والمدارس، مما يسمح للمتحف بتقديم تجربة غنية ومتكاملة للزوار.
نور الإمارات: حدثينا عن رؤية المتحف المستقبلية. ما هي التطورات التي يمكن أن نتوقعها؟
علياء محمد الملا: نطمح للتوسع في المستقبل من خلال تعزيز الشراكات الدولية وزيادة عدد الفعاليات الفنية التي نستضيفها. لدينا خطط طموحة لتطوير البرامج التعليمية وزيادة الورش الفنية التي تستهدف الأطفال والشباب لتنمية ذائقتهم الفنية. كما نسعى لاستضافة معارض عالمية تتيح للزوار الاطلاع على أحدث التطورات في مجال الفن المعاصر، ما يضمن بقاء المتحف على اتصال مباشر مع الحراك الفني العالمي.
نور الإمارات: ننتقل الآن إلى نقطة مثيرة للاهتمام، وهي القصص المرتبطة ببعض القطع الفنية. هل هناك قطع تحمل دلالات خاصة أو تاريخية تودين مشاركتها معنا؟
علياء محمد الملا: نعم، بالفعل هناك العديد من القطع التي تحمل دلالات خاصة. على سبيل المثال، بعض الأعمال الفنية التي أهدى بها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة هي جزء من مجموعة أعمال فنية استشراقية. هذه الأعمال ليست مجرد لوحات فنية، بل هي جزء من تاريخ المنطقة وتروي قصصاً عن الحياة اليومية في الماضي، مثل الهندسة المعمارية التقليدية والتصاميم التراثية. لهذه القطع قيمة ثقافية وتاريخية كبيرة، وتعتبر جزءاً من ذاكرة الشارقة.
نور الإمارات: هذا رائع. وأخيراً، كيف يمكن للزوار دعم المتحف وحفظ التراث الثقافي؟
علياء محمد الملا: الزوار جزء أساسي من رسالتنا، ودعمهم يسهم في تعزيز دور المتحف. بإمكانهم المشاركة في الفعاليات التعليمية وورش العمل، ونشر تجاربهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يزيد من الوعي بأهمية حفظ التراث. تفاعلهم معنا يشجعنا على مواصلة جهودنا في حفظ الثقافة والفنون. دعم الزوار يعزز دور المتحف في نشر الثقافة وترسيخ الوعي التراثي والفني في المجتمع.
نور الإمارات: في ختام هذا الحوار الشيق،
لا يسعنا إلا أن نتوجه بخالص الشكر والتقدير لأستاذة علياء محمد الملا، أمين متحف الشارقة للفنون، على وقتها الثمين وعلى مشاركتها لنا هذه المعلومات القيمة. لقد منحتنا اليوم نافذة مميزة نطل منها على عالم الفن والثقافة من منظور جديد، وأخذتنا في رحلة أثرت معرفتنا حول الدور الرائد الذي يلعبه المتحف في نشر الوعي الفني والثقافي.
نتمنى لمتحف الشارقة للفنون دوام التقدم والنجاح، وأن يستمر في إلهام الأجيال وتعزيز التراث الثقافي والفني. شكرًا لكم أستاذة علياء وللمتحف على هذه التجربة الغنية، ونتطلع إلى زيارتكم قريبًا للاستمتاع بالمزيد من روائع الفن العربي والعالمي.
علياء محمد الملا: أشكركم جزيل الشكر، نور الإمارات، على هذه الاستضافة الكريمة والفرصة الجميلة التي منحتموني إياها للتحدث عن متحف الشارقة للفنون ودوره الحيوي في تعزيز الثقافة والفنون في مجتمعنا. كان لي الشرف أن أشارككم هذه الرؤية وألقي الضوء على ما نقدمه من برامج وفعاليات، وأتمنى أن يكون حديثنا اليوم قد أسهم في تقريب الجمهور من عالم الفن وسحره وتأثيره.
تقديري العميق لكم ولمبادرتكم الرائعة في دعم الفن والثقافة عبر نقاش حر، وأتطلع دائماً إلى مزيد من اللقاءات التي تثري المجتمع وتشجع على التواصل والإبداع. شكرًا لكم، ولجميع القراء، وآمل أن نراكم قريبًا في المتحف لنتشارك تجارب فنية متميزة.
متحف الشارقة للفنون |
نقاش حر مع علياء محمد الملا |