إعلان

تجربتي مع المدير المتكبر صراع نفسي ودروس لا تُنسى

تجربتي مع المدير المتكبر صراع نفسي ودروس لا تُنسى
تجربتي مع المدير المتكبر صراع نفسي ودروس لا تُنسى

تجربتي مع المدير المتكبر كانت من أكثر المحطات قسوةً في حياتي المهنية. دخلت إلى الشركة بشغف كبير، أحمل أحلامًا وخططًا وأملًا في بيئة محفّزة على النمو، لكنني اصطدمت منذ اليوم الأول بشخصية متعالية اختزلت كل القيم المهنية في كلماتٍ باردة وتعامل متغطرس. لم تكن هذه مجرد تجربة عابرة، بل كانت اختبارًا لنفسي، ودرسًا في كرامة الإنسان، وطريقًا نحو فهم أعمق لذاتي وحدودي.

حين يتجسد الغرور في هيئة إنسان

أول انطباع... رسالة صامتة

من اللحظة الأولى التي وطأت فيها قدماي أرض الشركة، شعرت أنني أدخل إلى عالم غريب لا يشبه أي بيئة عمل عرفتها من قبل. كنت أحمل في داخلي طموحًا جامحًا، وخططًا كثيرة لرسم مساري المهني، لكن كل ذلك بدأ يتلاشى شيئًا فشيئًا في أول لقاء جمعني بمن سيكون لاحقًا مصدر أعمق تجربة نفسية عشتها في حياتي العملية. نعم، إنها تجربتي مع المدير المتكبر، والتي بدأت برسالة صامتة لكنها كانت أكثر وقعًا من ألف كلمة.

أول انطباع... رسالة صامتة

دخل إلى غرفة الاجتماعات وكأنه لا يرى أحدًا أمامه. لم يكلّف نفسه حتى عناء إلقاء السلام. كانت خطواته محسوبة، متعجرفة، لا تخلو من استعراض واضح للسلطة. ثم وقف أمامنا، وبلغة باردة مليئة بالتعالي قال:
"أنا لا أؤمن بالمجاملات. من لا يستطيع مجاراة سرعتي فليغادر الآن."

في تلك اللحظة، شعرت أن شيئًا غير مريح قد بدأ. نظرته لم تكن موجهة لأي أحد بعينه، لكنها كانت مشبعة برسالة واضحة: "أنا هنا فوقكم جميعًا". لم يكن يهمه أن يشعر أحد بالترحيب أو الأمان؛ كان شغله الشاغل أن يفرض حضوره بالقوة، لا بالاحترام.

في داخلي، بدأت ملامح تجربتي مع المدير المتكبر تتكوّن ببطء. كنت أحاول أن أجد له العذر، ربما هو رجل عملي، ربما تعوّد على الجدية، ربما هو متطلب فقط. لكن مع مرور الدقائق، بدأت أُدرك أن ما رأيته لم يكن موقفًا عابرًا، بل كان تجسيدًا حيًا لشخصية لا تعرف سوى لغة التعالي، شخصية ترى الآخرين مجرد أدوات عليها أن تطيع دون نقاش.

التفاصيل تكشف الكثير

رغم أنه لم يكن يتحدث كثيرًا، إلا أن حضوره الطاغي، وتعابير وجهه الجامدة، ولغة جسده المنغلقة، كانت تتحدث نيابة عنه بكل وضوح. في الاجتماعات، كان يجلس على كرسيه بوضعية مغلقة، يضع ذراعيه فوق صدره وكأنه يحتمي منّا، لا يشارك أي ابتسامة، ولا يظهر أي تفاعل إنساني.

أما حين يُخاطب، فيكتفي برفع حاجبه بتعبير يوحي بالضجر أو الملل، أو يهمس بردود مقتضبة لا تخلو من التوبيخ أو السخرية المبطنة. لم يكن يُظهر أي اهتمام بما نقول، وكأننا مجرد ضوضاء خلفية لحضوره. كنت أشعر أحيانًا أن الجدران في مكتبه تستمع أكثر منا.

ومع تكرار هذه المشاهد، تحوّلت تجربتي مع المدير المتكبر من موقف غريب إلى تحدٍّ نفسي حقيقي. بدأت ألاحظ كم أصبحت حذرًا في اختياري للكلمات أمامه، كيف أصبحت أراجع بريدي الإلكتروني عشر مرات قبل أن أرسله له، وكيف صرت أتحاشى حتى النظر في عينيه. لم يكن هناك أمر مباشر بذلك، لكن أسلوبه وحده كان كافيًا ليجعل الجميع في حالة استنفار دائم.

التفاصيل الصغيرة كانت تتكاثر يومًا بعد يوم. الطريقة التي ينظر بها إلى من يتحدث، تعبيرات وجهه حين يعترض على فكرة ما، صمته الطويل الذي يسبق أي تعليق سلبي، حتى نبرة صوته حين يُنطق اسمك، كانت تحمل معها شيئًا من التهديد.

في أحد الاجتماعات، طرحت زميلتي فكرة جيدة جدًا، كنا قد ناقشناها سابقًا ضمن الفريق، وكانت تحمل حلولًا واقعية لمشكلة استمرت لأسابيع. وما إن انتهت من عرضها، حتى قال لها ببرود:
"هل فكرتِ بهذه الفكرة بنفسك؟ لا تبدو كمستوى تفكيرك المعتاد".

الجملة كانت جارحة، وربما لم يسمعها أحد غيرنا بنفس العمق، لكنها اختزلت فلسفة التعامل التي يتبنّاها هذا المدير المتكبر: التقليل من الآخرين بأي وسيلة، وكأن تحطيم الثقة بالنفس هو وسيلة لتحفيزهم أو للسيطرة عليهم.

تلك الأيام حفرت في داخلي قناعة لا تزول: أن التكبر في بيئة العمل لا يؤذي فقط الروح المعنوية، بل يقتل الطموح في مهده. وأن تجربتي مع المدير المتكبر لم تكن درسًا في التعامل مع مدير سيئ فحسب، بل كانت تدريبًا قاسيًا على كيفية النجاة من القسوة المقنّعة بالسلطة.

واقع العمل اليومي تحت سلطة متعجرفة

واقع العمل اليومي تحت سلطة متعجرفة

الاستهانة بالمجهود والإنجاز

كان من الصعب عليّ تخيّل أن بيئة العمل التي حلمت بها ستتحوّل إلى مساحة يومية للخذلان والقلق. كنت أظن أن الإنجاز سيقابل بالتقدير، وأن الجهد المضاعف سيكون محل إعجاب، لكن تجربتي مع المدير المتكبر قلبت كل تلك التوقعات رأسًا على عقب.

في أحد المشاريع الكبرى، عملنا كفريق لساعات طويلة دون توقف، ومرّت علينا أيام لم نذق فيها طعم الراحة. كان المشروع مهمًا، وضغط المواعيد النهائية لا يُحتمل، لكن إيماننا بما نقدّمه كان أكبر من التعب. كنا ننتظر لحظة التقديم بفارغ الصبر، متشوقين لأن نسمع كلمة واحدة تعترف بجهودنا.

دخل هو في هدوء بارد، دون أي ملامح تعبيرية، جلس على طرف الطاولة، تصفّح النتائج بسرعة بالكاد دامت دقائق، ثم قال بصوت خالٍ من أي شعور:
"هذا؟ هذا ما استغرق منكم كل هذا الوقت؟"

كلماته تلك سقطت كصفعة على وجوهنا جميعًا. شعرت بأن كل ما فعلته، وكل دقيقة سهر، وكل لحظة توتر، تحوّلت إلى عبث لا قيمة له. لم يكن الغضب هو أول شعور انتابني، بل الحزن. حزنٌ عميق على طاقتي التي أُهدرت، على أملي الذي خاب، وعلى بيئة لا تعرف كيف تحتفي بالاجتهاد.

ومع مرور الوقت، تكررت هذه النبرة الباردة، حتى أصبحت النتيجة لا تهم بقدر ما يهمك تجنب الانتقاد. صرت أعمل ليس لأبدع، بل لأتفادى التقليل من شأني. وهكذا بدأت تجربتي مع المدير المتكبر في تحجيم شغفي وتحويله إلى وسواس دائم بالقبول.

الإهانة أمام الزملاء

لم يكن التقليل من الجهد هو الأسوأ، بل كانت لحظات الإهانة العلنية هي الأكثر وقعًا. كانت كلمات تُقال وكأنها طلقات موجهة بدقة إلى نقاط ضعفك، وكأن هدفها لم يكن فقط تحطيم فكرتك، بل كسر روحك أيضًا.

في أحد اجتماعات الفريق، قدّمت عرضًا لمقترح جديد كنت قد أعددته بعناية. كنت متحمسًا، ورأيت في الفكرة فرصة حقيقية لتطوير الأداء. ما إن بدأت بشرح النقاط الرئيسية، حتى قاطعني ساخرًا بصوت جهوري أمام الجميع:
"من أعطاك الثقة لتفكر بهذا الشكل؟ هذه أفكار لا تليق حتى بالمتدربين."

صمتٌ ثقيل خيّم على الغرفة. شعرت بأن الأرض تميد من تحتي. كان المشهد أشبه بمسرحية هزلية أُجبر فيها على أداء دور الضحية، دون أن يكون لدي خيار التراجع أو الدفاع عن نفسي.

خرجت من الاجتماع وأنا أجرّ خيبتي خلفي. لم يكن الإحراج هو ما آلمني فقط، بل الشعور بأنني لم أُحترم، لا كمهني ولا كإنسان. كنت أشعر أنني محاصر في بيئة لا تسمح بالخطأ، ولا تعترف بالاجتهاد، ولا تقدر الأفكار إلا إذا جاءت من فمه هو أو من يختارهم.

تجربتي مع المدير المتكبر وصلت حينها إلى أقصى درجاتها تعقيدًا، إذ لم أعد أخشى فقدان وظيفتي بقدر ما كنت أخشى فقداني لذاتي. كنت أرى صورتي تهتز في أعين زملائي، لا بسبب ما قلت، بل بسبب طريقة تحقيره لي. وهذا ما كان يسعى إليه دائمًا: أن يظل هو الأعلى، ولو على حساب كسر الآخرين.

الآثار النفسية: متى يبدأ الشك في الذات؟

تآكل الثقة بالنفس

مع مرور الوقت وتكرار لحظات التحقير العلني والتقليل المستمر، بدأت أعيش تحولًا داخليًا لم أكن أدركه في البداية. شيئًا فشيئًا، أصبحت أفقد علاقتي الواضحة بذاتي. تلك الشخصية الواثقة، التي لطالما واجهت التحديات بقوة وعزيمة، بدأت تتلاشى ببطء.

تجربتي مع المدير المتكبر كانت بمثابة رحلة نفسية مريرة، بدأ فيها الشك في قدراتي يتسلل إلى داخلي دون استئذان. لم أعد أرى في إنجازاتي أي قيمة، مهما كانت واضحة للآخرين. بدأت أحمّل نفسي مسؤولية كل تعليق سلبي يصدر عنه، حتى وإن لم يكن له أساس منطقي.

صرت أراجع كل كلمة قبل أن أنطق بها، وكل رسالة قبل إرسالها، مرات ومرات، وكأنني في حقل ألغام. لم أعد أجرؤ على التعبير عن رأيي، ولا على المشاركة الفعّالة في الاجتماعات. كنت أخشى أن أقول شيئًا يُفهم بطريقة خاطئة أو يُفسر على أنه "قلة نضج" كما كان يحب أن يصف أي فكرة لا تعجبه.

هذا التآكل البطيء في ثقتي بنفسي لم يظهر فجأة، بل كان يتراكم مع كل نظرة استخفاف، وكل نبرة تهكّم، وكل صمت ثقيل منه بعد عرض فكرة ما. أصبح صوتي الداخلي مشوشًا، لا يعرف إن كان يستحق الاحترام أم لا، وهل الخلل فيّ أم في بيئة العمل التي اختنقت من حولي.

التوتر المستمر

لم يكن الشك في الذات هو وحده ما أثقلني، بل كان هناك شعور دائم بالتوتر يرافقني كظلي. كنت أستيقظ كل صباح وأشعر بثقل يجثم على صدري، وكأنني على وشك الدخول إلى ساحة معركة، لا أعلم من أين ستأتي الضربة، لكنني على يقين بأنها قادمة.

الطريق إلى المكتب كان بمثابة استعداد نفسي طويل للاحتمال، لا للإنجاز. كنت أعدّ نفسي لاحتمال التجاهل، أو السخرية، أو التوبيخ المفاجئ. مجرد رؤيته أو سماع خطواته في الممر كان كفيلاً بأن يجعلني أتوتر وأرتبك، حتى دون أي حديث مباشر.

في لحظات كثيرة، كنت أجلس في مكتبي محاولًا التركيز، لكن قلبي كان ينبض بسرعة كلما اقترب صوته، أو سمعته يوجه حديثًا قاسيًا لزميل آخر. كان رأسي يعج بأسئلة لا تنتهي: هل سأكون التالي؟ هل ارتكبت خطأ دون أن أنتبه؟

هذا النوع من التوتر لا يُستهان به، فهو يُحوّل الإنسان من كائن مُنتج إلى آلة قلقة لا تفكر إلا في النجاة. لم أعد أعمل لأبدع، بل لأتفادى الخطر. وكلما زاد هذا التوتر، تراجعت قدرتي على اتخاذ القرارات، وانهارت قدرتي على رؤية نفسي في مكان يليق بطموحي.

لقد كانت تجربتي مع المدير المتكبر تجربة منهكة، ليس لأنها صعبة فقط، بل لأنها صادرت شيئًا جوهريًا من داخلي: شعوري بالأمان. ولا يمكن لأي إنسان أن يزدهر في بيئة تُشعره دومًا بأنه مهدد ومُراقب وغير كافٍ، مهما اجتهد.

وبين الشك والتوتر، عرفت أن الضرر النفسي الذي يصنعه المدير المتكبر لا يتوقف عند حدود اللحظة، بل يمتد في الذاكرة والسلوك وحتى في أبسط ردود الفعل اليومية. لأن الخوف حين يُزرع داخل بيئة العمل، لا يبقى هناك فقط، بل يتسلل إلى كل زوايا الحياة.

محاولات التغيير والمواجهة

المواجهة المباشرة

عندما تراكم الألم وتفاقم الإحباط، شعرت أن الصمت لم يعد خيارًا. كنت أعلم أنني أخاطر كثيرًا، وربما أضع نفسي في مرمى سهامه بشكل مباشر، لكنني في لحظة من لحظات اليأس التي تطغى فيها الكرامة على الخوف، قررت أن أواجهه.

دخلت إلى مكتبه مترددًا في البداية، لكنني تماسكت، وقلت له بنبرة واضحة رغم ارتجاف داخلي:
"نحن بحاجة إلى نقد بنّاء، لا إلى تحقير. ما يحدث معنا يوميًا يقتل الدافع للعمل، ويتركنا بلا تقدير."

رفع نظره إليّ ببرود شديد، كأنه لم يسمع شيئًا يستحق الرد. ثم قال بلهجة جامدة وبلا أي تعاطف:
"إذا لم تتحمل الضغط، فأنت في المكان الخطأ."

في تلك اللحظة، شعرت أن كل شجاعتي تحطّمت على صخرة قساوته. لم يكن هناك نقاش، ولا حتى محاولة لفهم ما أعنيه. كانت إجابته بمثابة إعلان صريح بأن هذا الأسلوب ليس مجرد انفعال، بل نهج يؤمن به ويطبقه بلا ندم.

أدركت حينها أن تجربتي مع المدير المتكبر ليست ناتجة عن خلاف في وجهات النظر، بل هي صدام مباشر مع عقلية متجذرة في التعالي. لم يكن يرى فينا سوى أدوات، ومن يرفض التعامل بهذه الطريقة يُعتبر غير مؤهل للبقاء.

تجربتي مع المدير المتكبر واللجوء إلى الإدارة العليا

رغم فشل المواجهة المباشرة، لم أستسلم. كنت ما أزال أملك أملًا صغيرًا بأن المنظومة قد تحتوي هذا الانحراف السلوكي، وتستجيب لصوت العقل. جمعت أدلة من مواقف متعددة، وكتبت تقريرًا مفصلًا يصف سلوكه المتكرر، وتأثيره السلبي على بيئة العمل ومعنويات الفريق.

رفعت التقرير إلى الإدارة العليا، موثقًا فيه كل ما حدث بدقة وهدوء، دون تهويل أو انفعال. انتظرت الرد لأيام، ثم أسابيع، وكنت أقول لنفسي: "ربما الآن سيُفهم أن الأمر لم يعد يحتمل."

وبعد طول انتظار، جاءني الرد في رسالة قصيرة مقتضبة:
"نشكر لك ملاحظاتك، وسيتم النظر في الأمر."

كانت العبارة باردة، بلا توقيع، بلا خطة، بلا إجراء واضح. وما زاد الطين بلّة أن شيئًا لم يتغير. استمر الوضع كما هو، وكأن شيئًا لم يُكتب، ولم يُقرأ، ولم يُؤخذ بعين الاعتبار.

شعرت بخيبة أمل مضاعفة. لم تكن فقط تجاه المدير، بل تجاه منظومة كاملة سمحت لهذا السلوك أن يستمر. اكتشفت أن تجربتي مع المدير المتكبر لم تكن مأساة فردية، بل انعكاسًا لثقافة تبرّر التسلط وتُطبّع مع الإهانة، طالما أن النتائج النهائية تُنجز، ولو على حساب كرامة البشر.

كانت تلك المحاولات أشبه بمحاولات إنقاذ في بحر لا يريد أن ينجو فيه أحد. كل خطوة واجهتها بجدار من البرود، وكل باب طرقته أعادني إلى نفس الممر المظلم. لكن رغم ذلك، لم أندم على المحاولة، لأنني حين واجهته، وحين خاطبت الإدارة، كنت أستعيد شيئًا من ذاتي التي حاول أن يسلبها طوال فترة العمل.

تجربتي مع المدير المتكبر علمتني أن الصمت لا يُنقذ، وأن المواجهة حتى وإن فشلت، فإنها تعيد لك احترامك لذاتك، وهو أول خطوات التحرر من سلطة من لا يستحق أن يكون قائدًا.

القرار الحاسم: مغادرة مسرح الغرور

الاستقالة كخلاص في تجربتي مع المدير المتكبر

في نهاية المطاف، وبعد كل المحاولات التي بُذلت دون جدوى، وصلت إلى لحظة مواجهة حقيقية مع نفسي. لم أعد أبحث عن حلول، ولا عن تغييرات مرتقبة. كنت فقط أريد الخلاص من تلك الدوامة التي أنهكت قلبي وأطفأت نوري.

لم يكن القرار سهلًا. قضيت ليالٍ طويلة أفكر، أراجع، وأوازن بين الحاجة إلى الأمان المادي والخوف من فقدان كرامتي بالكامل. لكن الحقيقة التي لا يمكن الهروب منها هي أن البقاء في بيئة سامة يعني التضحية بشيء أثمن من أي راتب: نفسي.

في صباح أحد الأيام، جلست أمام الحاسوب وكتبت استقالتي. كانت الكلمات قليلة، لكنها تحمل في طياتها الكثير من الوجع والكبرياء المكسور. وقّعت الورقة، وقدّمتها في صمت. لم أطلب مقابلة، ولم أشرح كثيرًا. كنت أعلم أن من لا يرى الألم لن يفهمه، ومن لا يقدّر الإنسان، لا يستحق أن يُقال له وداعًا.

خرجت من المكتب في ذلك اليوم وأنا أشعر بشيء يشبه التحرر من سجن طويل. لم أنظر خلفي، لم أودّع المكان، لأنني لم أكن أترك وظيفة فحسب، بل كنت أترك مسرحًا يُعرض فيه الغرور بصفاقة، ويُصفّق له بالصمت.

تجربتي مع المدير المتكبر في أول صباح بعد الاستقالة

في اليوم التالي من تجربتي مع المدير المتكبر، استيقظت وأنا أتنفس وكأنني أفعل ذلك لأول مرة. كان الهواء خفيفًا، والسماء أكثر صفاءً، وكأن العالم قرر أخيرًا أن يبتسم لي. لم يكن هناك صوت تنبيهات بريد إلكتروني، ولا نبرة صارمة تنتظرني خلف باب المكتب، ولا توتر يُمزّق أعصابي مع كل خطوة.

جلست على شرفتي، أحتسي قهوتي بهدوء، وأنا أستمع لصوت الطيور بدلاً من صوت التوبيخ. نظرت إلى نفسي في المرآة، ورأيت وجهًا لم أره منذ شهور: وجهٌ يبتسم.

كانت الابتسامة صادقة، عميقة، ليست لأنني غادرت مكانًا مؤلمًا فقط، بل لأنني تجرّأت على إنقاذ نفسي. لأنني في خضم تجربتي مع المدير المتكبر، كنت أخشى أن أفقد قدرتي على التقدير الذاتي. وها أنا، أستعيدها، لحظةً بلحظة.

في ذلك الصباح، شعرت أنني امتلكت قراري، وأنني عدت أكتب فصلي الجديد بيدي لا بقلمه، ولا بنظرته المليئة بالاستخفاف. كان ذلك اليوم بداية حقيقية لرحلة شفاء طويلة، لكنها ضرورية، لأعود إنسانًا كاملاً كما كنت... وربما أفضل.

ما الذي تعلمته من تجربتي مع المدير المتكبر؟

تجربتي مع المدير المتكبر لم تكن مجرد سلسلة من المواقف المؤلمة أو فصلاً عابرًا في حياتي المهنية، بل كانت مرآة حقيقية كشفت لي عن أعماق ذاتي، وعن قِيَم لا يمكن التنازل عنها مهما كانت الظروف. ومن وسط هذا الألم، خرجت بدروس لا تُقدّر بثمن:

الغرور ليس دليل قوة

رأيت بأم عيني كيف يمكن للغرور أن يُلبِس النقص ثوب العظمة. كان يظن أنه كلما تعالت نبرته وتجاهل الآخرين، بدا أكثر قوة وهيبة، بينما في الحقيقة، لم يكن سوى شخصٍ يحاول إخفاء هشاشته الداخلية خلف قناع من التعالي.

الواثق الحقيقي لا يحتاج إلى إذلال أحد. لا يرفع صوته إلا ليُلهم، ولا يستخدم سلطته إلا لدعم من حوله. من يملك قوة حقيقية لا يخاف من الاعتراف بفضل الآخرين، ولا يرى في نجاحهم تهديدًا له، بل امتدادًا لنجاح الفريق كله.

لا أحد يستحق أن تُفقد نفسك من أجله

أصعب ما في تجربتي مع المدير المتكبر هو أنني، دون أن أشعر، بدأت أفقد شيئًا من نفسي. بدأت أصدّق أنني لا أستحق، أنني لست كفؤًا، أنني يجب أن أبرر وجودي كل يوم من جديد.

لكن الحقيقة التي اكتشفتها متأخرًا هي أن أي بيئة عمل تستهلكك نفسيًا حتى آخر نفس، ليست بيئة تستحقك. لا المال ولا المنصب يبرّران البقاء في مكان يمزقك من الداخل.

الصحة النفسية لا تُعوّض، والكرامة لا تُشترى. وقد كان خروجي من ذلك المكان أول مرة أختار نفسي فيها دون تردد.

المواجهة جزء من احترام الذات

قد لا تغيّر المواجهة الطرف الآخر، وقد لا تعيد الأمور إلى نصابها، لكنها تُحدث شيئًا جوهريًا في داخلك. حين وقفت أمامه وقلت ما كنت أخشاه، لم أكن أطلب تغييرًا بقدر ما كنت أطالب بحقي في أن أُعامَل كإنسان.

المواجهة لا تعني الفوز دائمًا، لكنها تعني أنك لم تخذل نفسك. أنك قلت "كفى" في وجه من اعتاد أن لا يسمع إلا الصمت. أن تخرج من دائرة الخوف إلى دائرة الإدراك، هذا وحده انتصار كافٍ ليمنحك راحة لا توصف.

الرحيل ليس ضعفًا بل وعي

في عالم العمل، يُنظر أحيانًا إلى الاستقالة كعلامة على الفشل أو الهروب. لكنني تعلمت أن الرحيل عن بيئة مؤذية أقوى من الصمود في وجهها. أن تغادر في الوقت المناسب هو شجاعة، لأن التمسك بما يؤذيك ليس قوة، بل جهل بحقك في حياة أفضل.

الرحيل قرار ناضج، نابع من وعي عميق بقيمتك. حين اخترت المغادرة، لم أكن أهرب من التحدي، بل كنت أنقذ نفسي من دوامة لا تنتهي من التحقير والتوتر.

خلاصة تجربتي مع المدير المتكبر

إلى كل من يعيش الآن في بيئة عمل سامة تحت سلطة متكبر، لا تصمت. تحدث، عبّر عن مشاعرك، واجه بما تستطيع. وإن لم تجد من يسمعك أو يقدّرك، لا تتردد في المغادرة. تجربتي مع المدير المتكبر كانت مؤلمة، لكنها فتحت لي طريقًا نحو بيئة أكثر احترامًا، وعلّمتني أن لا أحد يستحق أن أتنازل عن نفسي من أجله.

احمِ نفسك. كن صوتك. فالحياة قصيرة جدًا لنقضيها في أماكن تقتل أرواحنا ببطء.

زينة سعد

كاتبة في قسم عالم الأعمال بموقع نور الإمارات. أتمتع بخبرة واسعة في مجال التدوين، حيث قمت بكتابة مقالات متنوعة تغطي مواضيع العقارات، الموارد البشرية، والتأمين. أسعى دائماً لتقديم محتوى ثري ومفيد يساعدكم في فهم جوانب مختلفة من عالم الأعمال. تابعوا نور الإمارات للحصول على آخر المستجدات والنصائح القيمة في هذه المجالات. email external-link twitter facebook instagram linkedin youtube telegram

أحدث أقدم
المصدر: نور الإمارات - دبي. الآراء الواردة في المقالات والحوارات لا تعبر بالضرورة عن رأي نور الإمارات.

نموذج الاتصال