بين نكهات الأطباق وأسرار المطبخ، تبرز ميثاء طارق ورشو كشيف إماراتية متألقة في عالم البحث والتطوير، تضع لمستها الخاصة على المطبخ الإماراتي. بمزيج فريد من الأصالة والحداثة، نجحت في تمثيل الهوية الإماراتية في محافل عالمية مثل اولمبياد فرنسا، وابتكرت قوائم طعام مميزة في فنادق راقية كـ"فندق إرث". في هذه السطور، تأخذنا ميثاء في جولة داخل عوالمها المهنية والشخصية، لتشاركنا رؤيتها حول تحقيق التوازن بينهما والقيم التي ترسم معالم رحلتها.
نور الإمارات: الشيف ميثاء ورشو، سعداء بلقائك اليوم في حوار مع النخبة هل يمكنك أن تخبرينا عن خلفيتك التعليمية وكيف ساعدتك في تحقيق هذا التميز في عالم الطهي؟
الشيف ميثاء طارق ورشو: شكراً نور الإمارات، سعيدة جداً بهذه الفرصة للحديث عن رحلتي. بدأت رحلتي التعليمية بتخصص مختلف تماماً؛ حيث درست الهندسة لمدة عام في الجامعة الأمريكية في الشارقة (AUS). ورغم أنني لم أكمل هذا المجال، إلا أن تلك التجربة كانت مفيدة للغاية. تعلمت خلالها التفكير المنهجي وحل المشكلات بطريقة عملية، وهي مهارات ما زلت أعتمد عليها في حياتي المهنية، سواء في تطوير الوصفات أو إدارة المشاريع.
لاحقاً، قررت اتباع شغفي الحقيقي بالطهي، فالتحقت بـ César Ritz Colleges Switzerland، وهي واحدة من أرقى المؤسسات التعليمية في مجال الطهي وإدارة الضيافة. هناك اكتسبت أساسيات الطهي التقليدي والعالمي، كما تعلمت أساليب مبتكرة في تقديم الأطباق وإدارة المطابخ الاحترافية.
لكن البداية كانت دائماً من مطبخنا الإماراتي. قبل أن أستكشف المطابخ العالمية، تعمقت في تعلم الأطباق الإماراتية التقليدية التي تحمل تاريخاً غنياً وتراثاً عريقاً. أؤمن أن فهم ثقافة الشخص الغذائية هو أساس التفوق في أي مجال. ومن هنا، كان هدفي أن أدمج بين النكهات الأصيلة وأساليب الطهي الحديثة لجعل المطبخ الإماراتي جزءاً من المشهد العالمي.
إلى جانب التعليم الأكاديمي، أحرص على تطوير نفسي باستمرار من خلال السفر، والمشاركة في ورش عمل متقدمة، والاطلاع على أحدث الاتجاهات في عالم الطهي. أرى أن التعليم هو رحلة لا تنتهي، وكل تجربة جديدة تضيف لي الكثير، سواء في الإبداع أو في نقل رسالتي كطاهية إماراتية تمثل تراثنا بأفضل صورة.
نور الإمارات: .لنبدأ بالسؤال الذي قد يدور في أذهان الكثيرين: ما الذي ألهمك لدخول عالم الطهي، وكيف بدأت رحلتك في هذا المجال؟
الشيف ميثاء طارق ورشو: بدايتي في عالم الطهي كانت مليئة بالشغف والفضول. لقد نشأت في بيئة تُقدّر الطعام كجزء من الهوية الثقافية، وكنت أرى والدتي وهي تُبدع في إعداد أطباق إماراتية تحمل في طياتها قصصاً من تراثنا العريق. كنت دائماً أجد متعة خاصة في مراقبتها وهي تخلط التوابل وتستخدم المكونات المحلية الطازجة لتحضير وجبات عائلية لا تُنسى.
لكن الشغف الحقيقي ظهر عندما بدأت أتعرف على مطابخ عالمية وأتساءل عن كيفية دمجها مع نكهاتنا المحلية. قررت دراسة فنون الطهي بعمق، وشاركت في ورش عمل محلية ودولية، حيث كانت رحلتي مزيجاً بين التعلم الذاتي والتجارب العملية. في مرحلة ما، شعرت بأن المطبخ الإماراتي يحمل إمكانيات هائلة يمكن تطويرها لتناسب الأذواق العالمية دون فقدان هويته. هذه الفكرة ألهمتني لدخول المجال بشكل احترافي وتحقيق هدفي في أن أكون جزءاً من إعادة تعريف المطبخ الإماراتي على الساحة الدولية.
نور الإمارات: من الواضح أن لديك رؤية فريدة تجمع بين التراث والحداثة. كيف تنعكس هذه الرؤية في مشاريعك الحالية؟
الشيف ميثاء طارق ورشو: رؤيتي تنبع من إيماني بأن الطعام هو وسيلة للتعبير عن الهوية والثقافة، وفي الوقت نفسه يجب أن يكون متطوراً ومواكباً للتغيرات. في كل مشروع أعمل عليه، أسعى لخلق تجربة فريدة تعكس روح المطبخ الإماراتي، ولكن بلمسة عصرية تجعلها مقبولة لدى مختلف الثقافات.
على سبيل المثال، في فندق إرث، قمنا بإطلاق مطعم مأكولات بحرية يُبرز النكهات المحلية باستخدام تقنيات طهي مبتكرة. عملنا على تطوير قائمة طعام تعتمد على مزج المكونات التقليدية مثل الهيل والزعفران مع أساليب تقديم حديثة تُبرز جمال الأطباق وتروي قصتها. أدمج دائماً المنتجات الإماراتية مثل التمر والليمون المجفف بطرق جديدة وغير مألوفة، ما يجعل الأطباق مميزة ومفعمة بالنكهات.
كما أنني أحرص على التفاعل مع الزبائن لمعرفة آرائهم وانطباعاتهم، فذلك يتيح لي تحسين تجربتهم وتطوير رؤيتي. بالنسبة لي، الطعام ليس مجرد طبق يُقدَّم، بل هو تجربة حسية متكاملة تعكس قصة وثقافة.
نور الإمارات: ذكرتِ الاستدامة كجزء من فلسفتك. كيف تطبقين هذه الفكرة في عملك؟
الشيف ميثاء طارق ورشو: الاستدامة ليست مجرد كلمة بالنسبة لي، بل هي جزء من القيم التي أتبناها يومياً. أحرص على العمل مع الموردين المحليين للحصول على منتجات طازجة ومستدامة، مما يقلل من الاعتماد على الاستيراد ويساهم في دعم الاقتصاد المحلي. أعتقد أن استخدام الموارد المحلية ليس فقط صديقاً للبيئة، بل هو أيضاً طريقة لإظهار الاحترام للبيئة التي نعيش فيها.
كما أنني أطبق تقنيات للطهي تقلل من استهلاك الموارد، مثل استخدام طرق طهي تقلل الهدر الحراري أو إعادة استخدام بقايا الطعام في تحضير وجبات جديدة. على سبيل المثال، في مشروع المأكولات البحرية الذي أطلقناه، نعمل مع صيادين يستخدمون طرق صيد صديقة للبيئة لضمان حماية الحياة البحرية.
إضافة إلى ذلك، أحرص على تدريب فريق العمل على تطبيق ممارسات مستدامة، مثل تقليل الهدر في المطبخ واستخدام مكونات الطعام بشكل كامل. هذا النهج يعزز قيم المسؤولية البيئية والابتكار في العمل.
نور الإمارات: مع جدولك المزدحم، كيف تحافظين على التوازن بين حياتك المهنية والشخصية؟
الشيف ميثاء طارق ورشو: التوازن بين الحياة المهنية والشخصية ليس سهلاً، لكنه ضروري للحفاظ على الأداء والطاقة. لدي عادة تنظيم جدولي بشكل صارم، بحيث أخصص وقتاً للعمل وآخر للعائلة. أؤمن بأن النجاح في العمل لا يعني التضحية بالعلاقات الشخصية، لذلك أحرص على قضاء أوقات مميزة مع عائلتي، حتى لو كان ذلك من خلال مكالمة هاتفية أثناء السفر أو وجبة عشاء عائلية عند العودة.
بالإضافة إلى ذلك، أستغل عطلات نهاية الأسبوع للخروج مع أصدقائي أو ممارسة هواياتي الشخصية مثل القراءة والتأمل، وهو ما يمنحني فرصة لإعادة شحن طاقتي. أعتبر هذه اللحظات بمثابة استراحة ذهنية تساعدني على الابتكار والتركيز في عملي. كما أنني أحرص على التواصل اليومي مع فريقي المهني، ما يتيح لي توزيع المسؤوليات بشكل أفضل وتحقيق التوازن المطلوب.
نور الإمارات: حدثينا عن مشاركتك في اولمبياد فرنسا. كيف كانت التجربة؟
الشيف ميثاء طارق ورشو: اولمبياد فرنسا كان بمثابة حلم تحقق! أن تكون لديك الفرصة لتمثيل بلدك وتقديم ثقافتك على منصة عالمية هو شرف كبير. خلال تلك التجربة، قمت بتحضير قائمة طعام تمزج بين الأصالة والابتكار، مثل طبق الهريس مع لمسة السوشي، الذي لاقى إعجاب الزوار بفضل المزج بين الثقافتين الإماراتية واليابانية.
ما زلت أتذكر حماس الزوار وهم يتذوقون أطباقنا، وأحياناً كانوا يسألون عن القصص وراء هذه النكهات. شعرت بالفخر أن أكون سفيرة للمطبخ الإماراتي في هذا الحدث، وأطمح لتكرار هذه التجربة في فعاليات دولية أخرى. لقد كانت تجربة غنية بالتحديات والتعلم، حيث أدركت كيف يمكن للطعام أن يكون لغة عالمية توحد الثقافات.
نور الإمارات: من هم الأشخاص الذين أثروا في مسيرتك المهنية؟
الشيف ميثاء طارق ورشو: الأشخاص الذين كان لهم الأثر الأكبر في حياتي المهنية هم عائلتي، وخصوصاً والدي الذي كان دائماً يقول لي: "افعل ما تحب وستتفوق فيه". دعمه المستمر وثقته بي جعلا كل الصعوبات تبدو أسهل.
كما أن أختي كانت دائماً مصدر إلهام لي، وكانت تتابع تقدمي وتشجعني على التحسن. لا أنسى أيضاً الدعم الذي تلقيته من زملائي ومدرائي في فندق إرث، الذين وفروا لي مساحة للإبداع والتجربة. العمل مع فريق داعم وملهم ساعدني على تحقيق طموحاتي وتحويل أفكاري إلى واقع ملموس.
نور الإمارات: ما هي النصيحة الأهم التي تلقيتها خلال مسيرتك؟
الشيف ميثاء طارق ورشو: النصيحة الأهم التي تلقيتها كانت من مديري الحالي، حيث قال لي: "الجودة أهم من الكمية، والابتكار أهم من التقليد". هذه الكلمات ظلت ترافقني في كل خطوة، ودائماً أحاول أن أركز على تقديم شيء مميز يعكس شخصيتي وهويتي. أضاف لي أيضاً نصيحة ذهبية: "لا تخف من المخاطرة، ولكن افعل ذلك بعقلانية." هذه النصائح ساعدتني على تحقيق التوازن بين الإبداع واتخاذ القرارات المدروسة.
نور الإمارات: ما هي القيم التي تسترشدين بها في حياتك المهنية؟
الشيف ميثاء طارق ورشو: القيم الأساسية التي أستند إليها هي الشغف، الابتكار، الجودة، والاحترام. أؤمن بأن الطهي ليس مجرد إعداد للطعام، بل هو فن يروي قصصاً وينقل مشاعر. لذا أحرص دائماً على أن تكون أطباقي انعكاساً لهذه القيم. بالنسبة لي، النجاح ليس فقط في تحقيق الشهرة، بل في ترك أثر إيجابي لدى كل من يتذوق أطباقي.
نور الإمارات: ما هي رسالتك لجيل الشباب، خاصة لمن يرغبون في دخول مجال الطهي؟
الشيف ميثاء طارق ورشو: رسالتي هي: "آمنوا بأنفسكم، لا تخافوا من الفشل، واستمروا في التعلم." الطهي مجال يتطلب الشغف والتعلم المستمر، لذا ابدأوا من ثقافتكم وتراثكم وانطلقوا لاستكشاف العالم. الأهم هو أن تتركوا بصمة خاصة تعكس هويتكم.
نور الإمارات: كيف تقيمين نجاحك؟
الشيف ميثاء طارق ورشو: النجاح بالنسبة لي هو التأثير الإيجابي الذي أُحدثه، سواء من خلال إلهام الآخرين أو تقديم أطباق تحمل قصة. كما أنني أعتبر التطور المستمر وتحقيق التوازن بين الحياة المهنية والشخصية جزءاً من معايير النجاح.
نور الإمارات: كلمة أخيرة توجهينها لمتابعينا؟
الشيف ميثاء طارق ورشو: أشكركم على هذه الفرصة. أود أن أقول لكل شخص لديه حلم: "لا تيأس، واعمل بجد، وستصل." الطهي بالنسبة لي ليس مجرد مهنة، بل هو وسيلة للتعبير عن ثقافتنا وقيمنا. وأتمنى أن أكون دائماً قادرة على تمثيل المطبخ الإماراتي بأفضل صورة محلياً وعالمياً.
نور الإمارات
في ختام هذا الحوار المميز، لا يسعنا إلا أن نتوجه بجزيل الشكر والتقدير إلى الشيف الشيف ميثاء طارق ورشو على مشاركتها القيمة وشفافيتها في الكشف عن جوانب من تجربتها الشيقة في عالم الطهي. لقد أثرتِنا برؤيتك الفريدة في المزج بين التراث والحداثة، وها نحن نرى كيف استطعتِ أن تتركي بصمة لا تُنسى في المطبخ الإماراتي على الساحة الدولية. نشكركِ من أعماقنا على وقتك الثمين، ونتمنى لكِ المزيد من التميز والإبداع في مسيرتكِ القادمة. ستكونين دائمًا مصدر إلهام لكل من يسعى لتحقيق التوازن والابتكار في مجاله.
الشيف ميثاء طارق ورشو
أود أن أعبر عن خالص امتناني وتقديري لفريق "نور الإمارات" على استضافتي في حوار مع النخبة. كان لي شرف المشاركة في هذا الحوار المميز الذي أتاح لي فرصة مشاركة تجربتي ورؤيتي مع جمهور واسع. أشكر لكم هذه الفرصة القيمة، وأتطلع إلى مزيد من التعاون في المستقبل. شكراً لكم على دعمكم المستمر وتشجيعكم للإبداع والتميز في كافة المجالات.