داء إرضاء الآخرين: 6 ممارسات للتخلص منه على حساب نفسك


داء إرضاء الآخرين
داء إرضاء الآخرين: 6 ممارسات للتخلص منه على حساب نفسك

داء إرضاء الآخرين قد يبدو في البداية تصرفًا نبيلاً يعكس طيبة القلب، لكنه يتحول مع الوقت إلى عبء ثقيل يستنزف طاقتك ويجردك من قدرتك على قول "لا". كثيرون يعيشون حياتهم وفق توقعات الغير، متجاهلين رغباتهم الحقيقية ومشاعرهم الخاصة، خوفًا من الرفض أو فقدان القبولهذا المقال مخصص لكل من شعر أنه يعيش لأجل الآخرين أكثر من نفسه، ويبحث عن طريقة حقيقية للخروج من هذا النمطفي مقالنا اليوم، سنستعرض معًا أفضل الممارسات الفعّالة للتخلص من داء إرضاء الآخرين واستعادة صوتك الداخلي بثقة ووعي.

ما هو داء إرضاء الآخرين؟

هو سلوك نفسي يتجسد في رغبة مفرطة لإرضاء من حولك، حتى وإن كان ذلك على حساب راحتك، أو وقتك، أو حتى قناعاتك.

المصاب بهذا الداء غالبًا ما يجد صعوبة في الرفض وقول كلمة لا، ويتجنب الخلاف أو المواجهة بأي شكل، خوفًا من أن يُرفض أو يُنتقد أو يُساء فهمه.

ورغم أن الرغبة في إرضاء الناس قد تبدو كتصرف لطيف أو اجتماعي، إلا أنها تتحول إلى عبء عندما تصبح نمطًا دائمًا يُشعرك بأنك تعيش وفق رغبات الآخرين لا رغبتك أنت.

ففي كثير من الأحيان، يُولد هذا الداء من تجارب سابقة مرتبطة بالخوف من الرفض، أو الطفولة التي ترتبط فيها القيمة الذاتية برضا الآخرين.

أسباب داء إرضاء الآخرين على حساب نفسك

تتعدد أسباب داء إرضاء الآخرين على حساب نفسك، وغالبًا ما تنبع من تجارب حياتية ومعتقدات داخلية ترسخت منذ الطفولةإليك أبرز هذه الأسباب:

  • الخوف من الرفض أو الانتقاديخشى البعض أن يؤدي رفض طلبات الآخرين إلى فقدان محبتهم أو تقديرهم، فيضحّون بأنفسهم ليحافظوا على علاقاتهم.

  • انخفاض تقدير الذاتمن يشعر أنه غير كافٍ أو غير جدير بالحب، يسعى لكسب رضا الآخرين كوسيلة لتعويض هذا النقص الداخلي.

  • البرمجة الاجتماعية منذ الطفولةكثيرًا ما يتعلم الأطفال أن يكونوا أولادًا طيبين أو بنات مطيعات، مما يغرس فيهم لاحقًا الرغبة في إرضاء الجميع ولو على حساب أنفسهم.

  • الربط بين القيمة الشخصية وخدمة الآخرينبعض الأشخاص يشعرون أن قيمتهم تكمن فقط في تقديم الدعم والتضحية، مما يجعلهم ينكرون احتياجاتهم الخاصة.

  • تجنب المواجهاتهناك من يفضلون تجنب أي صدام أو توتر، فيوافقون تلقائيًا على كل شيء فقط ليحافظوا على السلام الظاهري ومن هنا ينشأ داء إرضاء الآخرين.

  • الشعور بالذنبعندما يرفضون طلبًا، يشعرون بالذنب وكأنهم ارتكبوا خطأ، فيستسلمون مجددًا لرغبات الغير.

مع الوقت، تتراكم هذه الأسباب وتُرسخ سلوك إرضاء الآخرين على حساب نفسك بشكل يصعب تغييره دون وعي وممارسة واعية.

كيفية التخلص من إرضاء الناس

علاج متلازمة إرضاء الآخرين ليست مهمة سهلة، خاصةً لمن اعتاد التضحية بنفسه لإرضاء الآخرين، لكنها ممكنة بالتدريج والوعي الذاتيإليك خطوات فعّالة تساعدك على التحرر داء إرضاء الآخرين:

  1. اعترف بالمشكلةالخطوة الأولى هي أن تعترف لنفسك أنك تُرضي الآخرين على حساب راحتك واحتياجاتك، وأن هذا السلوك ليس صحيًا.

  2. تعرف على حدودك الشخصيةحدّد ما يمكنك قبوله وما لا يمكنك تحمله، وابدأ بوضع حدود واضحة في التعامل مع الآخرين، حتى المقربين منهم.

  3. تعلم قول "لادون الشعور بالذنبقلها بهدوء واحترام، ولا تبرر كثيرًافكلمة لا ليست كلمة جارحة، بل وسيلة لحماية نفسك.

  4. تذكر أن رضا الناس لا ينتهيمهما فعلت، لن يرضى الجميعفاجعل رضاك عن نفسك هو الأولوية، بدلاً من السعي الدائم لكسب رضا الآخرين.

  5. راقب حواراتك الداخليةإذا شعرت أنك مجبر على الموافقة، اسأل نفسك: "هل أريد هذا فعلاً؟ أم فقط لأبدو جيدًا؟هذه الأسئلة تساعدك على اتخاذ قرار أصح.

  6. ابدأ بخطوات صغيرةلتتخلص من داء إرضاء الآخرين، جرّب رفض أمر بسيط كنت معتادًا على قبولهوراقب كيف أن العالم لم ينهَر، فهذا سيعزز ثقتك تدريجيًا.

  7. أحِط نفسك بأشخاص يقدّرونكوجود أشخاص يحترمون اختياراتك ويدعمونك في قراراتك سيُشعرك بالأمان، ويقلل من حاجتك لإرضاء كل من حولك.

الخروج من دائرة إرضاء الناس يتطلب تدريبًا مستمرًا وصبرًا، لكنه في النهاية طريق نحو علاقة صحية مع ذاتك.

لا ترضي الناس على حساب نفسك

أن تُرضي الآخرين بينما تُهمل نفسك هو أقصر طريق لاستنزاف طاقتك النفسية والعاطفيةفي كل مرة توافق فيها على شيء لا يناسبك فقط لتكسب رضا من حولك، فأنت تخسر جزءًا من ذاتك.

لا بأس أن تساعد الآخرين، لكن ليس على حساب راحتك أو قيمك أو وقتكتذكّرمن يحبك حقًا سيحترم حدودك، ومن يشترط رضاك عنه بأن تتنازل عن نفسك، لا يستحق هذا التنازل.

كما أن العيش في محاولة دائمة لإرضاء الناس على حساب نفسك لا يمر دون أثرهذا النمط من التفكير والسلوك يترك بصماته في كل جانب من جوانب حياتك.

بدءًا من صحتك النفسية وحتى علاقاتك بالآخرين، وفيما يلي بعض أبرز الآثار السلبية الناتجة عن داء إرضاء الآخرين على حساب نفسك:

  • التوتر والقلق المزمنالشعور المستمر بأنك مطالب بإرضاء الجميع يضعك تحت ضغط داخلي دائم، مما يجعلك عُرضة للقلق والشعور بالذنب إن لم تفعل ما يُنتظر منك.

  •  انعدام الهوية الشخصيةحين تتخذ قراراتك بناءً على رغبات الآخرين، لا على قناعاتك، تبدأ هويتك بالتلاشي، ويصبح من الصعب معرفة ما تريده فعلًا أو ما الذي يُرضيك أنت.

  • العلاقات غير المتوازنةإرضاء الناس بشكل مفرط قد يشجع البعض على استغلالك، مما يخلق علاقات غير عادلة تكون فيها دائمًا الطرف المضحّي.

  • الاحتراق النفسيإرضاء الجميع مرهق كما أن الاستجابة لكل الطلبات والتوقعات بدون راحة أو توازن قد يقودك إلى الإنهاكفتجد نفسك غير قادر حتى على تلبية احتياجاتك الأساسية.

  • الشعور بالمرارة والندممع الوقت، قد يتولد لديك شعور بالظلم أو القهر لأنك دائمًا تتنازل، فينقلب ذلك إلى مشاعر سلبية تجاه نفسك أو تجاه من حولك.

لهذا، فإن التوقف عن إرضاء الناس ليس أنانية، بل خطوة ضرورية لصحتك النفسية واستقرارك الداخلي، وهذا أمر مهم يجب ألا تتخلى عنه.

إرضاء الناس غاية لا تُدرك

من الطبيعي أن ترغب في أن تكون محبوبًا ومقبولًا، لكن محاولة إرضاء الجميع هدف مستحيلالآراء تختلف، والتوقعات تتغير، ولن تجد إجماعًا على أي تصرف تقوم به.

كما أن السعي المستمر لإرضاء الناس يخلق توترًا داخليًا دائمًا، ويجعلك تعيش على هامش حياتكالأفضل أن تعيش وفق قناعاتك، فسلامك الداخلي أهم من أي تصفيق خارجي.

وإليك بعض النصائح الإضافية والتي يُنصح بها أصحاب الخبرة الحياتية والاخصائيين النفسيين للتخلص من داء إرضاء الآخرين على حسابك نفسك:

  • ذكّر نفسك بأن الرفض لا يعني الكره وأن قول "لالا يجعلك شخصًا سيئًا، بل إنسانًا يحترم وقته وحدوده.

  • ضع أولوياتك على رأس القائمة واسأل نفسك دائمًاهل هذا الفعل يخدمني أم يرهقني؟ إذا لم يكن نابعًا منك، فلا تلزم نفسك به.

  • قلل من الاعتماد على آراء الآخرين وتعلّم أن تثق في حكمك، ولا تجعل كل قرار بحاجة إلى تصفيق من الآخرين.

  • تقبّل النقد دون أن تمتصه فليس كل تعليق سلبي عنك يحتاج أن يؤثر بكبعض الآراء تعكس صاحبها أكثر مما تعكسك.

  • أحط نفسك بأشخاص يتقبلونك كما أنت فوجود من يفهمك ويقدّرك دون شروط سيقلل من حاجتك لإرضاء الآخرين.

  • درّب نفسك على قول "لابهدوء فأنت لا تحتاج إلى أعذار طويلة أو تبريرات كثيرة، قول "لا أستطيع الآنتكفي.

  • ذكّر نفسك أن الكمال غير موجود، فلن تصل أبدًا لنقطة يرضى فيها الجميع عنك، فاجعل رضاك عن نفسك هو الهدف الأهم.

في النهاية، داء إرضاء الآخرين ليس مجرد سلوك بسيط نمارسه بدافع اللطف، بل نمط حياة قد يسلبك ذاتك إذا لم تنتبه لهأن تكون شخصًا متعاونًا لا يعني أن تذيب نفسك في توقعات الآخرينخذ لحظتك لتسألهل هذا القرار يُرضيني أنا؟ تعلم أن تقول "لادون تأنيب، وامنح نفسك التقدير الذي تستحقهفإرضاء الذات بتوازن واحترام، هو الطريق الحقيقي لحياة أكثر راحة وصدقًا.


مواضيع ذات صلة

المصدر: نور الإمارات - دبي. الآراء الواردة في المقالات والحوارات لا تعبر بالضرورة عن رأي نور الإمارات.

سارة قاسم

سارة قاسم، كاتبة في نور الإمارات وخريجة قانون من جامعة الشارقة. أعمل حاليًا في جهة حكومية، حيث أكرس وقتي وجهودي لتحقيق تأثير إيجابي ملموس في المجتمع. القراءة والتأمل في الحياة هما جزء لا يتجزأ من يومياتي، إذ أجد فيهما مصدر إلهام ووسيلة لتنمية أفكاري وتطوير مهاراتي. أسعى باستمرار إلى تحسين نفسي وأؤمن أن كل إنجاز كبير يبدأ بخطوة صغيرة، كما قال محمد بن راشد: "المجد لمن يطلبه، والمراكز الأولى لمن لا يرضى بغيرها". هذه المقولة تلهمني دائمًا للسعي نحو التميز وعدم الرضا إلا بتحقيق الأفضل. هدفي هو أن أكون صوتًا مؤثرًا ومسهمًا في كل ما يخدم الخير والنفع للناس والمجتمع. أطمح إلى أن يكون لي دور فاعل في بناء مجتمع أفضل، حيث يكون لكل فرد فيه القدرة على المساهمة الإيجابية وتحقيق طموحاته. email linkedin instagram

أحدث أقدم

إعلان

إعلان

نموذج الاتصال