أسباب الاكتئاب عند المراهقين في جيل الوفرة والقلق

أسباب الاكتئاب عند المراهقين في جيل الوفرة والقلق
أسباب الاكتئاب عند المراهقين في جيل الوفرة والقلق

 لم تعد أسباب الاكتئاب عند المراهقين محصورة في الفقر أو التفكك الأسري أو الظروف القاسية كما كان في السابقبل باتت تُولد وسط البيوت المريحة، في غرف أنيقة مزودة بكل وسائل الراحة والترفيهنحن أمام جيل يحصل على كل ما يشتهي بسرعة، لكنه يفتقد شيئًا أعمق المعنىفالهواتف الذكية، الإنترنت، الرفاهية، وحتى الحرية، لم تُشبع الفراغ الداخلي، بل ساهمت أحيانًا في تعميقهفلماذا يشعر الكثير من المراهقين باللاجدوى؟ ولماذا تزداد حالات القلق والاكتئاب عامًا بعد عام رغم التقدم والراحة؟ 

في هذا المقال، نغوص في أسباب الاكتئاب عند المراهقين، ونبحث في جذورها النفسية والاجتماعية، ودور الأسرة والمجتمع والدولة في مواجهتها.

الاكتئاب عند المراهقين في علم النفس

هو اضطراب نفسي يؤثر على المزاج والتفكير والسلوك، ويتميز بمشاعر دائمة من الحزن أو الفراغذلك بجانب فقدان الاهتمام بالأشياء التي كانت ممتعة من قبل، ويستمر لفترة تتجاوز أسبوعين على الأقل.

كما يختلف الاكتئاب في مرحلة المراهقة عن الحزن العابر أو التقلبات المزاجية الطبيعية التي ترافق هذا العمرإذ يترافق مع تغيّرات واضحة في الطاقة، والاهتمام بالأنشطة اليومية، والقدرة على التركيز.

وكذلك العلاقات الاجتماعية، وقد يصل إلى أفكار إيذاء النفس أو الانتحار في الحالات الشديدةويعد الاكتئاب من أكثر أعراض سن المراهقة النفسية شيوعًا.

إذ يتأثر بعوامل بيولوجية مثل تغيّر الهرمونات، واجتماعية كالضغط الأكاديمي والعلاقات، وكذلك نفسية مثل ضعف تقدير الذات والشعور بعدم الجدوى.

أسباب الاكتئاب عند المراهقين

رغم أن المراهقة تُعتبر مرحلة اكتشاف الذات والتطوّر النفسي، فإنها أيضًا فترة هشّة نفسيًا وعاطفيًاوالتي تجعل أصحابها عرضة للاضطرابات النفسية، وعلى رأسها الاكتئاب.

وتتنوع أسباب الاكتئاب عند المراهقين بين عوامل بيولوجية، نفسية، واجتماعية، وأحيانًا تكون مزيجًا من كل ذلكإليك أبرز هذه الأسباب:

الفراغ الوجودي وفقدان المعنى

رغم توفر الراحة المادية والانفتاح الكبير على العالم، يعاني كثير من المراهقين اليوم من فراغ داخلي وشعور بأن لا شيء يستحق الجهد.

لا أهداف واضحة، ولا قيم حقيقية يتشبثون بها، ولا علاقات عميقة تمنحهم الانتماءومع غياب المعنى، تبدأ تساؤلات وجودية مؤرقة مثل: "لماذا أعيش؟". وإذا لم تُقابل بفهم ودعم، تتحول إلى حزن دائم ثم اكتئاب.

الضغط الأكاديمي والمجتمعي

واحد من أبرز أسباب الاكتئاب عند المراهقين، خاصة في بيئة تُمجّد التفوق وتربط القيمة الذاتية بالدرجات أو الإنجازمما يجعل المراهق يشعر بأنه في سباق لا ينتهي.

فالضغوط المستمرة من المدرسة، والتوقعات العالية من الأهل، تجعل أي تقصير سببًا للشعور بالفشلومع الوقت، يتحوّل الضغط إلى عبء نفسي، ويزرع داخله خوفًا مزمنًا من خيبة الأمل أو الرفض.

وسائل التواصل الاجتماعي

المنصات الاجتماعية التي كان يُفترض أن تُقرّب، أصبحت مصدرًا دائمًا للمقارنة والشعور بالنقصيرى المراهقون حياة الآخرين مثالية، ويقارنونها بواقعهم العادي.

مما يولّد شعورًا بالإحباط وعدم الرضا، كما أن التفاعلات السطحية والإعجابات الوهمية لا تُشبع الاحتياج العاطفي الحقيقيبل تزرع وهم القبول، وتُفاقم العزلة الداخلية.

تفكك الأسرة أو ضعف العلاقة مع الأهل

الأسرة هي أول مصدر دعم نفسي للمراهق، وحين تكون مليئة بالتوتر أو اللامبالاة، فإنها تكون من أخطر أسباب الاكتئاب عند المراهقين. حيث يشعر المراهق بأنه وحيد حتى وسط أهله.

غياب الحوار، والاستخفاف بمشاعره، أو كثرة الخلافات بين الوالدين، تؤثر على استقراره العاطفيالطفل الذي لا يجد أذنًا صاغية في البيت، قد يلجأ للانطواء أو مصادر دعم غير آمنة.

العوامل البيولوجية والوراثية

التغيرات الهرمونية الكبيرة التي تصاحب سن البلوغ تؤثر على المزاج بشكل مباشرخاصة لدى من لديهم استعداد وراثي أو تاريخ عائلي في الاكتئاب.

كما أن هذا لا يعني أن الاكتئاب حتمي، لكنه يصبح أكثر احتمالًا في غياب بيئة نفسية مستقرة وداعمةوهنا يظهر الاكتئاب كمزيج من عوامل داخلية لا يتحكم فيها المراهق، وخارجية تفاقم وضعه.

التنمّر أو الرفض الاجتماعي

الانتماء إلى جماعة في هذا العمر حاجة نفسية أساسية، وعندما يتعرض المراهق للتنمر أو يُرفض من زملائه، يبدأ بالشعور بالنبذ وعدم الأهمية ليكون هذا أيضًا من ضمن أسباب الاكتئاب عند المراهقين.

كما تتراكم مشاعر الألم، ويبدأ بتصديق الكلمات السلبية التي تُقال عنه، ما يؤدي إلى تدهور صورته الذاتيةوهذا النوع من الألم النفسي، إذا لم يُعالج، يتحوّل بسهولة إلى اكتئاب حاد.

ضعف الهوية وتشتت الانتماء

المراهقة مرحلة بناء الهوية، وتحديد الاتجاهات الفكرية والشخصيةلكن حين يُحرم المراهق من حرية البحث أو التوجيه الإيجابي، يعيش في حالة من التشوّش الداخلي.

فتجده لا يعرف من هو، ولا إلى أين ينتمي، ما يجعله عُرضة للتأثر بأي فكرة أو جماعة، أو للانسحاب من الحياة كلها، نتيجة شعور عميق بالضياع وعدم الثبات.

أنواع الاكتئاب عند المراهقين

الاكتئاب لا يظهر بنفس الشكل لدى جميع المراهقين، بل تختلف أنواعه بحسب الأعراض، والأسباب، ومدى التأثير على الحياة اليومية.

وفي علم النفس، توجد عدة أنواع من الاكتئاب عند المراهقينكما يُساعد التمييز بينها بجانب معرفة أسباب الاكتئاب عند المراهقين على فهم الحالة بدقةوبالتالي اختيار العلاج المناسب، وإليك أبرز هذه الأنواع:

الاكتئاب الشديد

يُعد أكثر الأنواع شيوعًا وخطورة، ويتسم بشعور دائم بالحزن وفقدان الاهتمام بالحياة، إلى جانب تغييرات في النوم، الشهية، الطاقة، التركيز، وقد تصل الأعراض إلى أفكار إيذاء النفس أو الانتحارهذا النوع يستمر لأكثر من أسبوعين ويؤثر على الحياة اليومية بشكل واضح.

الاكتئاب المزمن

يُعرف أيضًا باسم "الاكتئاب الجزئيأو "عسر المزاج"، ويكون أقل حدة من الاكتئاب الشديدلكنه يستمر لفترة طويلة، قد تصل إلى سنتين أو أكثر.

كما يظهر على شكل شعور مستمر بالضيق، انخفاض في الطاقة، وتراجع في الاهتمام، وغالبًا ما يعتاد عليه المراهق دون أن يدرك أنه يعاني من أحد أسباب الاكتئاب عند المراهقين.

الاكتئاب المرتبط بظروف الحياة

يحدث نتيجة موقف صادم أو تجربة مؤلمة، مثل وفاة شخص عزيز، الطلاق، الفشل الدراسي، أو مشاكل أسريةكما تكون أعراضه مشابهة للاكتئاب الشديد، لكنه يرتبط بحدث معين ويبدأ غالبًا بعده مباشرة.

الاكتئاب المقنّع

لا يُظهر فيه المراهق علامات الحزن الواضحة، بل يُعبّر عن اكتئابه من خلال سلوكيات مثل الغضب الزائد، التمرد، الإدمان على الألعاب أو الطعامأو مشاكل جسدية متكررة كالصداع وآلام المعدة، مما يجعل اكتشاف أسباب الاكتئاب عند المراهقين من هذا النوع أصعب.

أعراض الاكتئاب عند المراهقين

غالبًا ما يُخطئ الكثيرون في تفسير أعراض الاكتئاب عند المراهقين، حيث يُعتقد أنها مجرد تقلبات مزاجية عابرة أو ردود فعل طبيعية لعمر المراهقة.

لكن الحقيقة أن الاكتئاب له علامات واضحة يجب الانتباه إليها مبكرًالأنها تؤثر على تفكير وسلوك المراهق بشكل مباشر، وقد تقوده إلى العزلة أو حتى إيذاء النفسإليك أبرز هذه الأعراض:

  • الحزن المستمر وفقدان الأمل دون سبب واضح، وقد يُعبّر عن إحساسه بالفراغ، أو يقول عبارات مثل: "أنا بلا قيمة".

  • الانسحاب الاجتماعي، حيث يميل الشخص الذي يعاني من أحد أسباب الاكتئاب عند المراهقين إلى الانعزالسواء عن الأصدقاء والعائلة، كما يتجنب الأنشطة التي كان يستمتع بها سابقًا، ويُفضل البقاء وحيدًا أغلب الوقت.

  • تغيرات في الشهية والنوم، والتي تظهر على شكل زيادة أو نقص ملحوظ في الشهيةأو اضطرابات في النوم مما يؤثر على طاقته اليومية وقدرته على التركيز.

  • فقدان الاهتمام أو الشغف، حيث يتوقف المراهق عن الاهتمام بالهوايات أو الإنجازات الدراسيةكما يُظهر لامبالاة تجاه مستقبله أو ما كان يعتبره مهمًا.

  • سهولة الانفعال أو الغضب عند الذين يعانون من أحد أسباب الاكتئاب عند المراهقين مع حساسية زائدة تجاه النقد.

  • الشعور بالذنب أو احتقار الذات فيبدأ بالشعور بأنه عبء على الآخرين أو أنه لا يستحق الحب أو الاهتمام.

  • انخفاض المستوى الدراسي أو صعوبة التركيز، ما يؤدي إلى تدنّي مستواه في المدرسة.

  • شكاوى جسدية متكررة دون سبب عضوي واضح، مثل آلام الرأس، المعدة، أو التعب المستمروالتي لا يُمكن تفسيرها طبيًا، لكنها قد تكون انعكاسًا للضيق النفسي الداخلي.

  • أفكار إيذاء النفس أو الانتحار، في الحالات الشديدة، قد يُعبّر المراهق عن رغبته في الموتأو يُفكر في إيذاء نفسه، وهي من أخطر العلامات التي تتطلب تدخلاً عاجلاً.

كيفية علاج الاكتئاب عند المراهقين

لا يعتمد علاج الاكتئاب عند المراهقين على مسار واحد، بل هو عملية متكاملة تحتاج إلى تفهُّم، صبر، ودعم من الأسرة، بالإضافة إلى تدخل المتخصصين.

ولأن تجاهل أسباب الاكتئاب عند المراهقين أو التعامل معه كمجرد دلع قد يؤدي إلى مضاعفات نفسية خطيرةإليك بعض الممارسات العلاجية الفعّالة:

العلاج النفسي

إن العلاج السلوكي المعرفي (CBT) من أنجح الطرق لعلاج المراهقين، حيث يُساعدهم على تحديد أنماط التفكير السلبية وتغييرها.

كما يزودهم بأدوات فعّالة لمواجهة التوتر والمشاكل اليوميةويمكن أيضًا استخدام العلاج الأسري أو الجماعي لتعزيز التواصل والدعم الاجتماعي.

العلاج الدوائي

في بعض الحالات، خاصة إذا كان الاكتئاب شديدًا أو يُصاحبه أفكار انتحارية، قد يصف الطبيب النفسي مضادات اكتئاب مناسبة لعمر المراهقكما أنه لا تُؤخذ هذه الأدوية إلا تحت إشراف طبي صارم، مع متابعة دقيقة لأي تغيّرات مزاجية أو سلوكية.

الدعم الأسري والاجتماعي

يحتاج المراهق إلى بيئة داعمة تشعره بالأمان والتقدير، فعلى الأهل تجنّب اللوم أو التقليل من مشاعره، والاستماع إليه بانفتاح دون أحكامكما يُفضّل إشراك المدرسة والأصدقاء في توفير مساحة إيجابية له.

تبنّي نمط حياة صحي

التغذية المتوازنة، النوم المنتظم، وممارسة النشاط البدني، تُساهم في تحسين الحالة النفسية ومواجهة أسباب الاكتئاب عند المراهقينالرياضة، ولو بقدر بسيط، تُساعد على تقليل التوتر وزيادة هرمونات السعادة.

التقليل من العزلة والتواصل المنتظم

تشجيع المراهق على الانخراط في الأنشطة الاجتماعية أو التطوعيةفهذا الأمر يساعده في استعادة الثقة بنفسه والشعور بالانتماء والهدف.

تعليم مهارات التكيف وإدارة المشاعر

من المهم تعليم المراهق كيف يتعامل مع الفشل، الضغط، والرفض بطريقة صحيةوكذلك مساعدته على بناء هوية مستقلة وشعور داخلي بالقيمة الذاتية مما يساعده في مواجهة أسباب الاكتئاب عند المراهقين.

اختبار الاكتئاب عند المراهقين

كيف تكتشف العلامات المبكرة بنفسك؟

هناك بعض الأسئلة الأولية التي قد تكشف لك عن معاناة نفسية بحاجة إلى اهتماموالتي تهدف هذه الاختبارات إلى تحديد مستوى الحزن، فقدان الاهتمام، التغيّرات المزاجية، والنظرة الذاتية لدى المراهق.

أسئلة شائعة في اختبار الاكتئاب للمراهقين

يمكن طرح هذه الأسئلة على المراهق أو ملاحظتها من الأهل، مع تقييم الإجابة بناءً على التكراراختبر نفسك وأجب على تلك الأسئلة بأحد تلك الخيارات (نادراً أحياناً كثيراً دائماً):

  • هل تشعر بالحزن أو الفراغ معظم الوقت دون سبب واضح؟

  • هل فقدت اهتمامك بالأشياء التي كانت تهمّك سابقًا؟

  • هل تجد صعوبة في التركيز أو اتخاذ القرارات؟

  • هل نومك مضطرب (كثير جدًا أو قليل جدًا)؟

  • هل تغيرت شهيتك مؤخرًا بشكل واضح؟

  • هل تشعر بالتعب أو فقدان الطاقة طوال اليوم؟

  • هل تنتقد نفسك كثيرًا وتشعر أنك بلا فائدة؟

  • هل تفكر في إيذاء نفسك أو في أن الحياة بلا معنى؟

  • هل تشعر أنك معزول عن الآخرين حتى في وجودهم؟

  • هل تتهرب من المدرسة أو الأنشطة الاجتماعية بانتظام؟

نتائج الاختبار

إذا أشار المراهق إلى وجود أعراض أو أكثر بشكل متكرر ولمدة تتجاوز أسبوعين، فقد يكون ذلك مؤشرًا واضحًا على وجود الاكتئاب عند المراهقين والذي يحتاج إلى تقييم طبي والتعامل معه.

الختام

وفي النهاية، رغم أن جيل اليوم يعيش في عالم يفيض بالخيارات والراحة، إلا أن غياب التوازن العاطفي والروحي جعله أكثر هشاشة وقلقًا من أي وقت مضىإن أسباب الاكتئاب عند المراهقين لا تقتصر على عامل واحد، بل تتشابك فيها الضغوط النفسية والاجتماعية والرقميةومهمّتنا كأهل ومربين ومجتمع، أن نستمع إليهم، ونفهم احتياجاتهم العميقة، ونوفّر لهم بيئة داعمة تزرع فيهم المعنى والاتجاه، لا مجرد الراحة والمادةفالعلاج الحقيقي يبدأ بالوعي، ويكتمل بالحب والتوجيه.

المصدر: نور الإمارات - دبي. الآراء الواردة في المقالات والحوارات لا تعبر بالضرورة عن رأي نور الإمارات.

سارة قاسم

سارة قاسم، كاتبة في نور الإمارات وخريجة قانون من جامعة الشارقة. أعمل حاليًا في جهة حكومية، حيث أكرس وقتي وجهودي لتحقيق تأثير إيجابي ملموس في المجتمع. القراءة والتأمل في الحياة هما جزء لا يتجزأ من يومياتي، إذ أجد فيهما مصدر إلهام ووسيلة لتنمية أفكاري وتطوير مهاراتي. أسعى باستمرار إلى تحسين نفسي وأؤمن أن كل إنجاز كبير يبدأ بخطوة صغيرة، كما قال محمد بن راشد: "المجد لمن يطلبه، والمراكز الأولى لمن لا يرضى بغيرها". هذه المقولة تلهمني دائمًا للسعي نحو التميز وعدم الرضا إلا بتحقيق الأفضل. هدفي هو أن أكون صوتًا مؤثرًا ومسهمًا في كل ما يخدم الخير والنفع للناس والمجتمع. أطمح إلى أن يكون لي دور فاعل في بناء مجتمع أفضل، حيث يكون لكل فرد فيه القدرة على المساهمة الإيجابية وتحقيق طموحاته. email linkedin instagram

أحدث أقدم

نموذج الاتصال