نقاش حر مع نورة أحمد المغني، أمين متحف الشارقة للتراث |
متحف الشارقة للتراث: كنز ثقافي ينتظرك!
في زاوية هادئة وسط ردهات متحف الشارقة للتراث، حيث تجتمع أصالة التراث وعراقة الماضي، كان لنا لقاء في نقاش حر مع نورة أحمد المغني، أمين متحف الشارقة للتراث. التقينا بها لتسليط الضوء على أهمية المتحف في نقل ثقافة الأجداد للأجيال الجديدة وتحديات العمل على حفظ التراث في زمن يشهد فيه العالم تغيرات سريعة.
نور الإمارات: مرحباً بكِ أستاذة نورة، بدايةً، كيف تساهمون في متحف الشارقة للتراث في تعزيز الثقافة الإماراتية وحمايتها؟
نورة أحمد المغني: أهلاً وسهلاً بكم، يسعدني هذا اللقاء. متحف الشارقة للتراث هو منارة ثقافية تساهم في تعزيز الثقافة الإماراتية عبر تقديم تراثنا الأصيل بطريقة حية وجاذبة للزوار من كافة الأعمار والجنسيات. نعمل على تقديم التراث الإماراتي من خلال 6 صالات عرض دائمة التي تشمل صالة البيئات، مثل البيئة الجبلية والصحراوية والساحلية، إلى جانب صالة مخصصة لنمط الحياة الإماراتية وكذلك صالة الاحتفالات والأدب الشفهي والمعارف التقليدية. كل صالة تقدم معروضات مرتبطة بموضوعها، مما يتيح للزوار التفاعل مع عاداتنا وتقاليدنا وتفاصيل حياتنا اليومية القديمة.
نور الإمارات: مذهل! ماذا يمكن أن يرى الزائر في هذه الصالات؟
نورة أحمد المغني: في صالة البيئات، مثلاً، يستطيع الزائر استكشاف حياة سكان المناطق الجبلية، ورؤية الملابس التقليدية والمنازل الجبلية وطرق الحصول على المياه في تلك البيئة، بينما يوضح قسم البيئة الصحراوية تفاصيل حياة البدو، وأسرار صناعة السدو، وأدواتهم ومنتجاتهم. في قسم البيئة الساحلية، يعرض المتحف بيوت أهل الساحل التقليدية وأدوات الصيد، بالإضافة إلى أزياء ساحلية تبرز طابعهم الفريد.
وفي صالة نمط الحياة، نتناول العادات والتقاليد الإماراتية مثل الضيافة، وطرق رعاية المواليد، وأهمية دور المطوع، إضافة إلى الألعاب الشعبية مثل "الدامة" و"البشتختة". ولا ننسى صالة الاحتفالات التي تتناول الأهازيج الشعبية، وأزياء الاحتفالات التقليدية، وصالة الأدب الشفهي التي تحتوي على قصص "الخراريف" الإماراتية، والأمثال والألغاز الشعبية. أما صالة المعارف التقليدية، فتستعرض أدوات الطب الشعبي، مثل الحجامة والتجبير، وتسلط صالة سبل العيش الضوء على المهن التقليدية مثل الصياغة وأدواتها.
نور الإمارات: هذا التنوع يثير الاهتمام حقاً، ولكن ما هي التحديات التي تواجهونها في الحفاظ على هذا التراث الثقافي؟
نورة أحمد المغني: من أكبر التحديات التي نواجهها هو الوصول إلى الجمهور خارج المتحف. هناك طلب كبير من المدارس والجامعات والمؤسسات لاستضافة فعاليات تعريفية في مواقعهم للتعرف على التراث الإماراتي. ومع كثرة الإقبال على أنشطة المتحف، نضطر أحيانًا للاعتذار عن تقديم هذه الخدمات خارج المتحف. والتحدي الأكبر الذي قد يواجهنا في المتحف هو المحافظة على المقتنيات التراثية وصيانتها لتبقى معروضة بجودتها الأصلية هي مهمة دقيقة ومستدامة تتطلب جهوداً مستمرة.
نور الإمارات: مع هذا الإقبال الكبير، كيف يسهم متحف الشارقة للتراث في تعليم الزوار، خاصةً في ظل محدودية الوصول خارج أسواره؟
نورة أحمد المغني: نسعى لتعليم الزوار بعدة طرق تفاعلية. نقدم جولات إرشادية بواسطة مرشدين متخصصين، وكذلك نوفر خيار الجولة الذاتية حيث يمكن للزائر التجول في صالات العرض والتعرف على تفاصيل التراث من خلال اللوحات التعريفية والماسحات الضوئية التي تسمح بالاستماع لشرح مباشر عبر الهاتف. وعند التجول في فناء المتحف، يستشعر الزائر أيضًا جمالية العمارة الإماراتية التقليدية.
نحن نشجع الباحثين للبحث في التراث الإماراتي، ونعقد معارض مؤقتة ذات مواضيع مختلفة تعمق فهم الجمهور، ومن أهم المعارض التي تم تنظيمها في المتحف, معرض البرقع الإماراتي شاهد على تاريخ وتراث الإمارات، وحرفة صياغة الخناجر و القهوة في الخليج العربي. كما تم تنظيم مسابقة تصويرية، مثل مسابقة حول شجرة النخيل في الإمارات، حيث تم عرض الصور الفائزة في معرض مصاحب للمسابقة. وأيضًا، قمنا بتنظيم معرض "تأملات وإلهامات من التراث الإماراتي" بالتعاون مع كلية الفنون الجميلة والتصميم بجامعة الشارقة، حيث أبدع الطلبة أعمالاً مستوحاة من التراث الإماراتي، وتم عرضها للجمهور في المتحف.
نور الإمارات: ما شاء الله، يبدو أن المتحف يتيح فرصًا تعليمية واسعة. هل هناك فعاليات ثقافية محددة تنظمونها طوال العام؟
نورة أحمد المغني: نعم، نقدم فعاليات متنوعة تلائم مختلف المناسبات. هناك فعالية "يوم التراث العالمي" في أبريل من كل عام، والمخيم الشتوي، وبرنامج تعريف التراث الإماراتي لطالبات الجامعة القاسمية، إضافةً إلى اليوم الوطني, وجمعية أصدقاء مرضى السرطان، وفعالية النصف من شعبان للجمعية ذاتها، وبرنامج "الميلس" المخصص لكبار السن.
نور الإمارات: هذا التنوع في الأنشطة يعكس اهتمام المتحف بكافة فئات المجتمع. كيف يمكن للزوار المشاركة في أنشطة المتحف أو دعم جهوده في حفظ التراث؟
نورة أحمد المغني: أبوابنا مفتوحة لجميع الفئات العمرية، ونشجع الجمهور من مواطنين ومقيمين وسياح على زيارة المتحف والتفاعل مع المعروضات والمشاركة في الفعاليات. يمكنهم متابعة مواعيد الفعاليات والأنشطة عبر موقع هيئة الشارقة للمتاحف وحساب إنستغرام الخاص بنا على @SharjahMuseums.
أما بالنسبة لدعم المتحف، فالباحثون الأكاديميون يمكنهم التركيز في بحوثهم على التراث الإماراتي، حيث يمكن لكلٍ حسب تخصصه، سواء كان تاريخاً أو فنوناً أو هندسة، أن يضيف بصمة في إثراء دراسة التراث ونقله للأجيال القادمة.
نور الإمارات: جميل جداً! وهل يتعاون المتحف مع المدارس والجامعات لتعزيز الوعي بالتراث بين الطلاب؟
نورة أحمد المغني: بالطبع، لدينا تعاون وثيق مع المؤسسات التعليمية. نقدم جولات تعليمية لطلبة الجامعات والمدارس، بالإضافة إلى ورش عمل تربط المناهج الدراسية بمواضيع التراث. ندعم طلبة الجامعات لإجراء أبحاث في التراث الإماراتي من خلال إتاحة فرصة مقابلة مختصين أو تصوير مقتنيات المتحف، والتعرف على العمارة التقليدية الإماراتية. كما نشجع طلبة الفنون لإنتاج أعمال مستوحاة من التراث وعرضها في المتحف.
نور الإمارات: هل يمكن القول إن المتحف يشكل وجهة سياحية ثقافية في الشارقة؟
نورة أحمد المغني: نعم، بالتأكيد. نحن نشهد زيادة مستمرة في عدد الزوار سنويًا. يعتبر متحف الشارقة للتراث وجهة مميزة للتعرف على ثقافة الإمارات بأسعار رمزية، مما يجعله وجهة مثالية للسياحة الثقافية المحلية. الزائر يمكنه الاستمتاع بجولة تراثية تعيده إلى الماضي، وتجعله يستشعر أصالة عاداتنا وتقاليدنا.
نور الإمارات: وهل هناك برامج خاصة للمقيمين أو الزوار الدوليين؟
نورة أحمد المغني: نعم، البرامج التي يقدمها المتحف متاحة للجمهور بشكل عام حسب اهتماماتهم. نسعى لجعل الزوار يشعرون بالارتباط بالتراث الإماراتي، سواء كانوا مقيمين أو سائحين، من خلال ما نقدمه من معارض وأنشطة تعليمية وثقافية.
نور الإمارات: أستاذة نورة، ذكرتِ أن المتحف يضم معروضات دائمة، لكن هل يتم إضافة معروضات جديدة بشكل مستمر؟ وكيف يتم اختيار مواضيعها؟
نورة أحمد المغني: بالفعل، المعروضات الدائمة في المتحف غالبًا ما تبقى ثابتة لأنها تشكل ركائز للتراث الإماراتي وتعرض بترتيب يسهل على الزوار استيعابه. لكننا نحرص على تنظيم معارض مؤقتة تتناول مواضيع مهمة ومرتبطة بتراث الإمارات، ويتم اختيارها بدقة وفق أهميتها ومدى ارتباطها بالموروث الثقافي. على مر السنوات، قدمنا معارض متنوعة مثل البرقع الإماراتي، وحرفة صناعة الخناجر، وثقافة القهوة في الخليج العربي، حيث استعرضنا مقتنيات نادرة مصحوبة بأبحاث عميقة تعزز فهم الجمهور للمعروضات.
نور الإمارات: هل هناك أنشطة وفعاليات خاصة بالأطفال أثناء زيارتهم للمتحف؟
نورة أحمد المغني: نعم، نحن نهتم جدًا بتقديم أنشطة للأطفال تتيح لهم تجربة ممتعة ومفيدة. لدينا ورش تعليمية تتناسب مع أعمارهم، وتتيح لهم التعرف على جوانب من التراث الإماراتي. في الفناء الخارجي للمتحف، خصصنا منطقة للألعاب الشعبية، حيث يمكن للأطفال التفاعل مع هذه الألعاب التقليدية.
نور الإمارات: نرى أن الحرف التقليدية جزءٌ لا يتجزأ من التراث الإماراتي، كيف يساهم المتحف في الحفاظ على هذه الحرف؟
نورة أحمد المغني: الحرف التقليدية تحتل مكانة مهمة لدينا، والمتحف يلعب دورًا كبيرًا في عرضها وتعريف الجمهور بها. من خلال الفعاليات والمعارض، نقدم حرف مثل حياكة السدو، وصناعة التلي والسعفيات، وغيرها. كما ندعو الحرفيين أنفسهم للمشاركة في الفعاليات، مما يتيح للزوار فرصة التعلم المباشر من أصحاب الخبرة. هذا النهج لا يسهم فقط في تعريف الجيل الجديد بالحرف، بل يدعم أيضًا استمراريتها من خلال تدريب الهواة وتعزيز الاهتمام بها.
نور الإمارات: إلى جانب المعروضات، يبدو أن تصميم متحف الشارقة للتراث يعكس جمال العمارة الإماراتية التقليدية، هل يمكنكِ إخبارنا المزيد عن ذلك؟
نورة أحمد المغني: بالطبع، مبنى المتحف بحد ذاته هو جزء من التراث. المبنى كان في الأصل بيتًا تقليديًا يعود إلى القرن الثامن عشر، وسكنه السيد سعيد الطويل، وقد صُمم ليعكس الطراز المعماري التقليدي الإماراتي. يتميز بوجود الفناء المركزي، والليوان، والزخارف المتنوعة التي تجسد أصالة العمارة التقليدية. المواد التي استخدمت في البناء، مثل المرجان والجندل والخشب، كانت مستخرجة من البيئة الساحلية، مما يضيف لمسة طبيعية تعكس طابع العمارة الإماراتية الفريد.
نور الإمارات: أخيرًا، أستاذة نورة، ما هي الرسالة التي يسعى متحف الشارقة للتراث إلى إيصالها للزوار؟
نورة أحمد المغني: رسالتنا تتمثل في رفع الوعي بأهمية التراث الإماراتي، وإبراز قيمته كجزء لا يتجزأ من الهوية الإماراتية. نريد للزوار أن يغادروا المتحف وهم يشعرون بالفخر بهذا التراث العريق، وأن يُدركوا مسؤوليتهم في نقله للأجيال القادمة.
نور الإمارات: شكراً جزيلاً لك، أستاذة نورة، على هذا الحوار الثري في نقاش حر.
من الواضح أن متحف الشارقة للتراث هو أكثر من مجرد مكان لعرض التحف، بل هو بوابة حية لنقل تراث الإمارات وثقافتها عبر الأجيال. نتمنى لكم التوفيق في جهودكم الرائعة لحفظ هذا التراث الغني ونشره لكل من يرغب في اكتشافه.
نورة أحمد المغني: أشكركم، منصة نور الإمارات، على هذه الفرصة الثمينة لإجراء هذا الحوار في نقاش حر. كانت أسئلتكم عميقة وملهمة، وقد أتاح لي ذلك فرصة للتعبير عن أهمية متحف الشارقة للتراث ودوره في الحفاظ على تراثنا الثقافي. أتمنى أن نكون قد نجحنا في توصيل رسالة أهمية التراث الإماراتي للجميع. نحن دائمًا نرحب بزيارتكم وبمشاركة المزيد من القصص حول تراثنا الغني. شكرًا مرة أخرى على دعمكم وتفهمكم!
نقاش حر مع نورة أحمد المغني |