 |
| نقاش حر مع انتصار معين العبيدلي، أمين متحف الشارقة للحضارة الإسلامية |
في عالمٍ يزخر بالتكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة، تبقى المتاحف نوافذًا تعيدنا إلى الماضي، وتحكي قصصًا من عصورٍ مضت، تُشعل الفضول، وتبني جسورًا تربطنا بثقافاتٍ بعيدة وأزمنة خالدة. ولعلَّ متحف الشارقة للحضارة الإسلامية يُعد منارة بارزة تجمع بين عبق التاريخ وروح الحضارة الإسلامية، ليوثق أثر الحضارة الإسلامية وتأثيرها على العالم. اليوم، نرحب بالأستاذة انتصار معين العبيدلي، أمين متحف الشارقة للحضارة الإسلامية، في نقاش حر مع نور الإمارات مثير ومشوق يكشف عن أسرار المتحف ودوره البارز في نشر الثقافة الإسلامية.
نور الإمارات: صباح الخير، أستاذة انتصار. سعداء للغاية بوجودك معنا اليوم. بداية، نود معرفة ما الذي يميز متحف الشارقة للحضارة الإسلامية عن غيره من المتاحف في المنطقة؟
انتصار معين العبيدلي: صباح النور. شكراً لكم على هذه الاستضافة الكريمة. يتميز متحف الشارقة للحضارة الإسلامية بعدة عوامل، أولها أنه يقع في منطقة المجرة وسط الشارقة، موقعه هذا جعله قريبًا من قلب المدينة وعلى إطلالة خلابة على خور الشارقة، مما يعزز جاذبيته السياحية. هذا المتحف هو الأول من نوعه في الإمارات، ويضم مجموعة من القطع الأثرية التي تمتد من القرن الأول الهجري (القرن السابع الميلادي) إلى القرن الرابع عشر الهجري (القرن العشرين الميلادي)، وهو بذلك يشمل محطات أساسية في تاريخ الحضارة الإسلامية.
نور الإمارات: رائع! إذن هو متحف يجمع بين التاريخ والفنون و العلوم . ماذا عن مقتنياته؟ ما الذي يميزها ويجعلها تجذب الزوار؟
انتصار معين العبيدلي: متحف الشارقة للحضارة الإسلامية يحتوي على حوالي 5000 قطعة فنية نادرة، تعرض بأسلوب يعكس مراحل التطور التاريخي للحضارة الإسلامية، وتتنوع هذه القطع بين الفن الإسلامي والقطع التي تمزج بين الطابع والعناصر المعاصرة. لدينا قاعات فنية متعددة تعرض قطعًا مميزة، كالمبخرة المصممة على شكل قطة، والمسند الملوكي، والباب الخشبي، وساعة الفيل الشهيرة، بالإضافة إلى المسكوكات الإسلامية. وبدون شك، تعتبر كل قطعة هنا بمثابة مرآة تعكس عراقة الحضارة الإسلامية وتطورها عبر الزمن.
نور الإمارات: يبدو بالفعل أن متحف الشارقة للحضارة الإسلامية غني بالمقتنيات. وكيف يعكس المتحف هذا التطور عبر العصور؟
انتصار معين العبيدلي: من خلال تقسيم المتحف إلى قاعات فنية تحكي كل منها فترة زمنية مختلفة وموضوعية. على سبيل المثال، لدينا قاعة العقيدة الإسلامية التي تحتوي على مصحف عثمان بن عفان، والمصحف الخاص بأحمد قره حصاري، وقطع خاصة بكسوة الكعبة المشرفة، مما يعطي للزائر تصورًا حول المكانة الروحية والدينية العميقة في الإسلام. كما تبرز قاعة ابن الهيثم للعلوم والتكنولوجيا إنجازات العلماء المسلمين، مثل الإسطرلاب وساعة الثريا وخارطة الشريف الإدريسي وبوصلة أحمد بن ماجد. هذا التنوع في القاعات يعرض بشكل جميل رحلة تطور الحضارة الإسلامية على مر العصور.
نور الإمارات: هذا جهد كبير يستحق التقدير. كيف يساهم المتحف في توعية الجمهور بتأثير الحضارة الإسلامية على العالم؟
انتصار معين العبيدلي: نحن نسعى لتحقيق هذا الهدف من خلال عدة أنشطة وفعاليات. ينظم المتحف جولات وورش عمل مختلفة تستهدف شرائح متعددة من المجتمع وتناسب كافة الأعمار، يقدمها مرشدون ذوو خبرة يشرحون للزوار تاريخ القطع وأهميتها. بالإضافة إلى المعارض الدائمة، نقوم بتنظيم معارض مؤقتة بالتعاون مع متاحف عالمية، وهذا يساعد على تعزيز الوعي بأثر الحضارة الإسلامية وكيف ساهمت في تطور البشرية في مجالات متعددة.
نور الإمارات: هذا مثير للاهتمام. وما الذي تقومون به لدمج الفن الإسلامي التقليدي مع عناصر معاصرة في العرض؟
انتصار معين العبيدلي: من خلال قاعاتنا الفنية، حيث نحرص على عرض تطور الفن الإسلامي وصولًا إلى القرن الواحد والعشرين، مما يعطي للزائر فرصة لرؤية التحولات في الفنون الإسلامية. مثلاً، هناك قطع من العصر العباسي والأموي تعرض بجانب فنون حديثة تستلهم من تلك العصور بأسلوب معاصر، مما يظهر كيف استمرت العناصر الإسلامية في التأثير على الفن حتى يومنا هذا.
نور الإمارات: التصميم المعماري للمتحف نفسه يلفت النظر. كيف تسهم تصميمات المتحف في تعزيز تجربة الزوار؟
انتصار معين العبيدلي: التصميم المعماري يلعب دورًا محوريًا في تحسين تجربة الزوار. فقد تم تصميم المتحف بحيث يسهل على الزوار التنقل بين المعروضات بسلاسة، كما تم استخدام الإضاءة الطبيعية والصناعية بطريقة تعزز جمال القطع. لدينا أيضًا شاشات تفاعلية، وحتى تطبيقات هاتفية توفر للزوار معلومات إضافية وتفاعلية حول القطع، ما يعزز التجربة ويضيف بعدًا ممتعًا للزيارة.
نور الإمارات: أرى أنكم تعتمدون على التكنولوجيا بشكل كبير. ما هي الطرق التي تستفيدون بها من التكنولوجيا الحديثة في عرض المعلومات والمعروضات؟
انتصار معين العبيدلي: نعم، التكنولوجيا كانت جزءًا أساسيًا من تجربتنا المتحفية، وقد أتاحت تجربة استثنائية للزوار من داخل وخارج الإمارات، خاصةً لأولئك الذين لم يتمكنوا من زيارة المتحف فعليًا. كانت لدينا شاشات تفاعلية داخل المتحف تعرض محتوى تعليميًا وفيديوهات، وشاشات لمس مدعمة بألعاب تفاعلية للأطفال لتوفير تجربة ممتعة ومفيدة. كما تمت إضافة نظام الاستجابة السريعة (QR) الذي قدم معلومات تفصيلية عن المعروضات بست لغات مختلفة، مما ساعد في تسهيل التواصل مع الجمهور العالمي. بالإضافة إلى ذلك، استضفنا معارض افتراضية دولية تتيح للزوار استكشاف مجموعة من المعروضات عن بُعد، ما جعل التجربة تجمع بين متعة التعلم وسهولة الوصول من أي مكان.
نور الإمارات: رائع! كيف يساهم متحف الشارقة للحضارة الإسلامية في تعزيز التفاهم الثقافي بين الحضارات المختلفة؟
انتصار معين العبيدلي: نعمل بجد على تنظيم معارض مؤقتة بالتعاون مع متاحف ومؤسسات ثقافية حول العالم، حيث نتبادل المعروضات ونستعرض الأثر الثقافي المتبادل بين الحضارات. هذه المبادرات تسهم في بناء جسور بين الثقافات المختلفة، وتساعد الزوار على فهم أعمق للعلاقات الثقافية بين الإسلام والحضارات الأخرى.
نور الإمارات: ماذا عن الأطفال والعائلات؟ هل لديكم برامج مخصصة لهم؟
انتصار معين العبيدلي: نعم، بالتأكيد. لدينا برامج تفاعلية للأطفال والعائلات، تشمل ورش عمل تخصصية، جلسات حوارية، ومخيمات صيفية. كما نوفر ورشًا أسبوعية مستمرة كل يوم سبت وأحد، تُعقد بطرق مرحة وتفاعلية لتشجيع العائلات والأطفال على اكتساب المعرفة حول التراث الإسلامي بطريقة ممتعة ومشوقة.
نور الإمارات: كيف تتعاملون مع صيانة وحفظ هذه القطع النادرة؟
انتصار معين العبيدلي: إدارة المتحف تهتم بهذا الجانب كثيرًا. لدينا فريق متخصص يهتم بجميع جوانب صيانة القطع الأثرية والحفاظ عليها. نحرص على توفير بيئة مناسبة لكل قطعة، سواء من حيث درجة الحرارة أو الرطوبة، وتتم مراقبة المعروضات بشكل منتظم لضمان بقائها في أفضل حال.
نور الإمارات: ذكرتِ أن المتحف يوفر أنشطة تعليمية متنوعة، خاصةً للطلاب والباحثين. هل يمكنكِ توضيح المزيد حول هذا الجانب؟
انتصار معين العبيدلي: بالتأكيد. نحن نقدم العديد من الأنشطة التعليمية المصممة خصيصًا للطلاب والباحثين. على سبيل المثال، هناك ثلاث أنواع من الجولات لطلاب المدارس:
الجولة الذاتية، حيث يُتاح للطلاب التجول بمفردهم داخل المتحف، ويتوفر لهم أوراق عمل وشروحات ثابتة في الصالات للحصول على المعلومات.
الجولة العامة، والتي يتم فيها مرافقة الطلاب بمرشد يشرح لهم المعلومات التاريخية ويجيب على أسئلتهم، ويسرد لهم القصص والأحداث المرتبطة بالقطع.
الجولة المتضمنة ورشة عمل، حيث يرافق المرشد الطلاب في صالة محددة، ويقومون بأنشطة مسلية تفاعلية داخل الصالة، وتُختتم بورشة عمل ترتبط بموضوع الجولة.
بالإضافة إلى ذلك، نحن ندعم الباحثين بتوفير المعلومات التي يحتاجونها، من جولات متخصصة، وكتب، وصور، وغيرها من المصادر التي تساعدهم في دراساتهم وأبحاثهم.
نور الإمارات: يبدو أن متحف الشارقة للحضارة الإسلامية يمتلك نظامًا تعليميًا شاملاً، وهذا رائع. ماذا عن تنظيم الفعاليات والمعارض المؤقتة؟ كيف تتم العملية؟
انتصار معين العبيدلي: نحن نولي أهمية كبيرة لتنظيم الفعاليات والمعارض المؤقتة. يتم اختيار موضوع الفعالية أو المعرض بناءً على أهميته وملاءمته لرؤية المتحف، ومن ثم نقوم بالتنسيق الداخلي بين إدارة المتحف وإدارات الهيئة المعنية. تمر العملية بعدة خطوات، بدءًا من التخطيط والإعداد، إلى الترويج والتسويق، وتنظيم الفعالية نفسها، وأخيرًا التقييم بعد انتهاء الفعالية لضمان التطوير المستمر.
نور الإمارات: عملية منظمة ومهنية للغاية. إذن، كيف يتعامل المتحف مع زوار من خلفيات ثقافية متنوعة لتعزيز التفاهم الثقافي؟
انتصار معين العبيدلي: هذه من أهم أهدافنا. نسعى دائمًا إلى التعاون مع متاحف ومؤسسات ثقافية عالمية لإقامة معارض مؤقتة ومعارض تبادلية. من خلال هذه المعارض، نعرض روابط التراث الثقافي المشترك ونعزز التفاهم بين الحضارات المختلفة. على سبيل المثال، عرضنا مجموعة من القطع الإسلامية بجانب قطع من حضارات أخرى، وهذا يعطي للزوار من مختلف الثقافات فهمًا أعمق للعلاقات والتأثيرات المتبادلة بين الحضارات على مر التاريخ.
نور الإمارات: أشكركِ، أستاذة انتصار، على هذا الحوار الثري والشامل. من الواضح أن متحف الشارقة للحضارة الإسلامية يلعب دورًا هامًا في نشر ثقافة التسامح وتعزيز فهم الزوار لتاريخ الحضارة الإسلامية.
انتصار معين العبيدلي: أود أن أعبر عن خالص شكري وامتناني لـ"نور الإمارات" على استضافتي الكريمة في فقرة "نقاش حر". كانت فرصة رائعة أن أشارك جمهوركم تفاصيل رحلة متحف الشارقة للحضارة الإسلامية، وأبرز جهودنا في نشر الثقافة الإسلامية وتعزيز التفاهم الثقافي بين الحضارات. سعدت كثيرًا بهذا الحوار المثري والشيق، وأتطلع دومًا لمزيد من اللقاءات التي تجمعنا بكم وبكل من يهتم برؤية المتاحف كجسور تواصل حضاري وتنوير فكري. شكرًا لكم على دعمكم المستمر، وعلى إتاحة هذه المنصة المميزة لإيصال رسالتنا إلى جمهوركم الكريم.
 |
| انتصار معين العبيدلي |
